عائلة مهاجرة سورية في العاصمة البوسنية سراييفو. مهاجر نيوز
عائلة مهاجرة سورية في العاصمة البوسنية سراييفو. مهاجر نيوز

تتحدث المنظمات الدولية عن "أزمة إنسانية" في البوسنة جراء توافد المهاجرين المستمر إلى الدولة. ويوجد حاليا حوالي 3500 مهاجر في البوسنة يرغبون بإكمال طريقهم وعبور الحدود مع كرواتيا بهدف الوصول إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي. لكن لماذا الحديث عن "أزمة إنسانية"؟ وكيف يعيش المهاجرون في البوسنة بانتظار إكمال رحلتهم؟

في الوقت الذي يتجمع فيه المهاجرون أمام سيارة بيضاء صغيرة للحصول على مساعدات من متطوعين ونشطاء، يجلس عبد الوهاب على حافة الطريق في ساحة المحطة الرئيسية للقطار في العاصمة البوسنية سراييفو، حاملا بيده التي يلفها ضماد طبي ابنته التي لا يتجاوز عمرها الـ6 أشهر.

دقائق معدودة وتأتي ميس إلى جانب عبد الوهاب وبيدها بطانية صغيرة تلف بها الطفلة وتجلس إلى جانب زوجها برفقة عائلتين سوريتين وأطفالهما.


وصلت العائلات السورية الثلاث إلى البوسنة منذ أربعة أيام قادمين من صربيا. يقول عبد الوهاب لمهاجر نيوز "أتينا إلى البوسنة لأن الجميع يقول إن الحدود بين صربيا وكرواتيا مقفلة تماما ومن المستحيل عبور الحدود، فقررنا المجيء إلى البوسنة وإكمال الطريق إلى كرواتيا بهدف الوصول إلى وجهتنا النهائية وهي فرنسا".

من جهته، يوضح المنسق الإقليمي لعمليات المنظمة الدولية للهجرة في البوسنة بيتر فان دير أوفيريرت لمهاجر نيوز، أنه "كثر الحديث في أوساط المهاجرين حول سهولة عبور الحدود من البوسنة باتجاه كرواتيا، بعد أن وجدوا أنفسهم عالقين تماما في صربيا. وبالتالي قام بعض الأشخاص بهذه التجربة وبالفعل نجحوا بإكمال طريقهم. وهكذا بدأ باقي المهاجرين بالتوجه إلى البوسنة لأنها الطريق الوحيد الذي يبدو مفتوحا أمامهم".

بانتظار العبور إلى كرواتيا.. مهاجرون يفترشون العراء في البوسنة

ومع اقتراب حلول الليل، تستعد العائلات السورية للذهاب إلى حديقة عامة صغيرة بالقرب من محطة القطار، حيث ينامون منذ 4 أيام دون خيام أو فراش، فكل ما يملكونه هو بضعة أغطية حصلوا عليها من سكان المدينة ومتطوعين من جمعيات إنسانية.

ويمضي عبد الوهاب ليلته في الحديقة رغم هطول المطر وألمه الشديد الناجم عن إصابة بالغة في يده. ويقول الشاب الذي لم يتجاوز الـ26 عاما "بقيت معتقلا في سجون النظام السوري لأكثر من عام ونصف حيث تعرضت للتعذيب. ونجم عن ذلك مشاكل في الرئة والقولون وإصابة في يدي لم تكن بهذا السوء عندما خرجت من السجن، لكن بسبب تأخري في الحصول على العلاج تفاقمت الحالة والألم يزيد كل يوم".


مركزان لاستقبال طالبي اللجوء

قبل أن يستعد عبد الوهاب للذهاب، يخرج من جيبه ورقة رسمية مكتوبة باللغة البوسنية حصل عليها من أحد مراكز الشرطة، لا يفهم تماما ما الذي تعنيه، كحال معظم المهاجرين الذين وصلوا إلى البوسنة ولا يتكلمون لغة البلاد.

ويوضح مسؤول منظمة الهجرة أوفيريرت أنه بموجب هذه الورقة يستطيع المهاجر البقاء على الأراضي البوسنية لمدة 15 يوما بشكل شرعي، ويؤكد أنها قابلة للتجديد لأكثر من مرة. وتحتوي الورقة على المعلومات الأساسية للمهاجر كالاسم والعمر والجنسية، و"تقوم السلطات بإعطاء هذه الورقة للمهاجر على أساس أنه ينوي تقديم اللجوء في البوسنة، لكنها لا تلزمه بتقديم ملفه هنا، بل تتيح له البقاء على الأراضي البوسنية وبالتالي لا يتم ترحيله"، بحسب أوفيريرت.

ويوجد على هذه الورقة عنوان مركز لاستقبال المهاجرين في منطقة موستار التي تبعد عن العاصمة البوسنية حوالي ساعتين بالسيارة. لكن العائلات المتعبة من رحلتها الطويلة التي استمرت لأسابيع عديدة بين الغابات والطرق الوعرة برفقة أطفالها، تنام في العراء في شوارع سراييفو كحال مئات المهاجرين من مختلف الجنسيات.

ولا يوجد في البوسنة سوى مركزين لاستقبال المهاجرين، أحدهما في قرية صغيرة تدعى سلاكوفاتش وآخر في ديليهاس، كلاهما جنوب البلاد ويبعدان عن المنطقة الحدودية مع كرواتيا، وبالتالي، لا يفضل المهاجرون الذهاب إلى هذه المراكز لأن ذلك يعني أنهم سيخسرون المزيد من الوقت وستزيد كلفة رحلتهم.

تحذيرات من أزمة إنسانية

يشدد أوفيريرت على ضرورة "توفير مراكز استقبال لهؤلاء المهاجرين في العاصمة ومناطق الشمال، وعندها نستطيع السيطرة على الوضع وتوفير الخدمات المناسبة للمهاجرين. ومع اقتراب الشتاء سيكون الوضع صعبا جدا بسبب انخفاض درجات الحرارة، فالشتاء قاس هنا".

ويحذر أوفيريرت من جانبه، من خطورة الوضع الذي تشهده البوسنة، لأن "المهاجرين ينامون في الشوارع ويعاني الكثير منهم من مشاكل صحية وأمراض جلدية، فلا يمكنهم الاستحمام وليس لديهم رعاية صحية، وهذا يعني المزيد من الفوضى. وإن بقي الوضع على هذا الحال هناك خطر على حياتهم، فمن الممكن أن تزيد مشاكل المخدرات والكحول خاصة أنه توجد نسبة كبيرة من المهاجرين الشباب والقاصرين غير المصحوبين بذويهم".

وقد يبدو عدد المهاجرين ليس كبيرا بالمقارنة مع باقي الدول الأوروبية، لكن نسبة إلى حجم وإمكانيات البلد فهو رقم ضخم. ويشير أوفيريرت إلى "مشكلة أخرى نواجهها حاليا هي ضعف إمكانياتنا، فمثلا لا نستطيع الوصول إلى المهاجرين بشكل مباشر، فلا يعلم كل المهاجرين بوجود مراكز الاستقبال ولا يعلمون أن هناك وجبات طعام مجانية في محطة القطار. كل هذا يتطلب وجود فريق والحصول على المزيد من الموارد".

وبحسب السلطات البوسنية، يدخل 500 مهاجر تقريبا البلاد أسبوعيا عبر صربيا أو الجبل الأسود. ويوجد حوالي 3500 مهاجر في البوسنة حاليا، يتوزعون في العاصمة سراييفو وباتجاه الشمال في بيهاتش وفليكا كلادوشا الحدودية مع كرواتيا.

 

للمزيد