من داخل بناء يأوي نحو 1000 مهاجر في بيهاتش شمال البوسنة. المصدر: مهاجرنيوز
من داخل بناء يأوي نحو 1000 مهاجر في بيهاتش شمال البوسنة. المصدر: مهاجرنيوز

بين الجدران المثقوبة والأسقف التي تتسرب المياه من خلالها دون توقف، يعيش نحو 1000 مهاجر ظروفا غير إنسانية في بناء غير معد للسكن، يطلق عليه "بيت المشردين"، خصصته بلدية بيهاتش شمال البوسنة للمهاجرين الذين ينتظرون الفرصة الملائمة لعبور الحدود نحو كرواتيا. وعلى بعد عشرات الكيلومترات في مدينة فليكا كلادوشا، ينام مهاجرون آخرون في حقل داخل خيم صغيرة أو تحت قطع أقمشة دون فراش.

يحاول المهاجر الأفغاني الشاب أحمد إبعاد المياه التي تملأ الغرفة باستخدام ممسحة صغيرة ممزقة، ويعاود حركته مرارا لكن بلا فائدة، فالمطر يهطل بلا توقف والسقف يستمر بتسريب المياه خاصة أنه في الطابق الرابع والأخير من البناء الذي يستقبل نحو 1000 مهاجر معظمهم من أفغانستان وباكستان وإيران في مدينة بيهاتش شمال البوسنة الحدودية مع كرواتيا.

وعلى بعد بضعة أمتار، يشعل كامل وصديقه النار باستخدام حطب جمعوه من الغابة المحيطة بالبناء، لتحضير الشاي الممزوج مع الكثير من السكر والحليب. ويقول كامل "الشاي الساخن يعطينا الدفء ويملأ معدتنا، فلا يوجد طعام كاف للجميع هنا. هذا المشروب يعطينا الطاقة ولا يكلفنا الكثير".

"جدران وحفر"

وتحاول المنظمات الإنسانية كالصليب الأحمر والمنظمة الدولية للهجرة، إدارة هذا المكان بإمكانيات متواضعة. وتشير أميرة، العاملة في المنظمة الدولية للهجرة، إلى "تردي الوضع المعيشي للمهاجرين الذين يزداد عددهم يوميا وبينهم عائلات ونساء حوامل وأطفال. وأستطيع القول إننا نعاني من أزمة لأنه ليس لدينا الموارد الكافية والإمكانيات لتلبية حاجات المهاجرين من طعام ومستلزمات الإقامة. فالبوسنة بلد فقير ولا تستطيع بمفردها إيجاد حل لهذه الأزمة".

وخصص عمدة مدينة بيهاش هذا البناء المهجور لإيواء المهاجرين، وكان يستخدم سابقا كسكن طلاب، لكنه حاليا ليس سوى "جدران وحفر، فلا توجد كلمات تصف هذا المكان الموحش" بحسب تعبير أميرة التي توضح أن بعض المهاجرين ينامون في الشارع أو في النزل الرخيصة.

Borici est une ancienne rsidence tudiante Limmeuble a t laiss  labandon Crdit  InfoMigrants

وبينما يستمر الشاب الأفغاني بإصرار محاولاته للتخلص من ماء المطر، يصف المهاجر الإيراني علي الذي يعيش في هذا البناء منذ حوالي شهرين الوضع بـ"المأساوي"، وتقاطعه زوجته الشابة ذات الـ24 عاما بقولها: "الوضع ميؤوس منه فلا نستطيع استخدام الحمامات هنا لأنها متسخة للغاية، ولقد واجهتني مشاكل صحية نسائية بسبب هذا المكان المهمل".

والفتحات التي تملأ الجدران المتهالكة وغياب الأبواب أو الحواجز على النوافذ، جعلت العائلات تذهب إلى الطوابق الأخرى التي أضحت مختلطة بين الشباب والعائلات والأطفال مع استمرار توافد المهاجرين إلى البوسنة، "بوابة العبور" نحو أوروبا.

وتشتكي أم عراقية لأربعة أطفال من الوضع المعيشي "الكارثي" وعدم وجود طعام كاف لأبنائها، وتقول "منذ ثلاثة أيام أنام أنا وزوجي وأطفالي بدون خيمة، فوق قطع قماش وغطاء صغير لا يغطي سوى نصف أجسادنا".



وفي ساحة البناء، أقام الصليب الأحمر خيمة صغيرة لتقديم الإسعافات الأولية حيث يخرج عبد الرحمن ويلف رأسه بضماد أبيض بعد أن تعثر على درجات البناء وسقط أرضا.

وتوضح المسعفة ماريا لمهاجرنيوز وهي تضمد قدم أحد المهاجرين، "نحاول الاهتمام يوميا بعشرات المهاجرين المصابين بجروح طفيفة، ونحاول السيطرة على أمراض الجرب والقمل خاصة عند الأطفال. وفي بعض الحالات نرى كدمات وجروح على أجساد الرجال والنساء لدى عودتهم من كرواتيا، وفي كل مرة يخبرنا المهاجرون بأنهم تعرضوا للضرب على أيدي الشرطة الكرواتية".

ويؤكد الشاب السوري سمير بأن الشرطة الكرواتية ضربته بالعصي وركله أحد عناصر الأمن وأخذ منه هاتفه المحمول وجرده من كل ما يمتلك، "حتى حقيبتي الصغيرة التي وضعت فيها بعض الثياب، قام الشرطي بأخذها مني. اضطررت العودة إلى هذا المكان المزري ريثما أجد حلا لعبور الحدود".

"إلى متى؟"

وعلى بعد بضعة أمتار من خيمة الصليب الأحمر، يقف أربع شباب في الصف بانتظار الدخول إلى الحمامات البلاستيكية الثلاث المخصصة للاستحمام مقابل المراحيض التي تملأ المكان برائحة نتنة.

وقبل أن تنقطع الكهرباء عن هذا البناء في الساعة 11 ليلا، يصطف المهاجرون "الزبائن" في غرفة صغيرة في ساحة البناء بانتظار دورهم للحلاقة على يد المهاجر العراقي مصطفى بمبلغ يورو ونصف للشخص الواحد. ويوضح هذا الشاب أنه يحاول "كسب القليل من المال بهذه الطريقة لمساعدة زوجتي الحامل وتأمين الطعام لها". ويتساءل مصطفى "إلى متى سنبقى على هذه الحال؟".

مصطفى يقوم بتسريح شعر المهاجرين في "بيت المشردين" في بيهاتش

مشهد سياسي معقد يزيد من سوء وضع المهاجرين

وأطلق عمدة مدينة بيهاتش التي لا يتجاوز عدد سكانها الـ55 ألفا، اسم "بيت المشردين" على البناء الذي يفتقر إلى الحد الأدنى للبنية التحتية.

 أما عن سبب هذه التسمية، فتوضح أميرة أنه مع استمرار توافد المهاجرين إلى البوسنة وتجمعهم في هذه المدينة القريبة من الحدود الكرواتية، تشرد الآلاف في شوارع المدينة التي تصل فيها درجات الحرارة إلى ما دون الـ10 تحت الصفر في الشتاء.

لذلك، "قام عمدة بيهاتش بتخصيص هذا البناء على أساس أنه للمشردين لأن مسؤولية المهاجرين لا تقع على عاتقه بل هي من مسؤولية وزارة الداخلية، لكن الوضع كان طارئا وكان عليه التصرف".

ويوضح هذا الأمر مدى تعقيد المشهد السياسي الذي تعيشه البوسنة منذ انتهاء الحرب الدامية في التسعينات. وبالفعل ينتقد العديد من ناشطي حقوق الإنسان بطء استجابة الدولة لإيجاد حل سريع ووضع حدا للظروف المزرية التي يعيشها المهاجرون في البوسنة. وبالرغم من وجود وزارة مخصصة للاجئين، إلا أنها لا تعنى بأمور هؤلاء الوافدين الجدد، لأنهم لا يمتلكون صفة "اللاجئ" رسميا.

 

للمزيد