الفقر والحرب والأزمات تخيم على الكثير من بلدان القارة السمراء
الفقر والحرب والأزمات تخيم على الكثير من بلدان القارة السمراء

تركز "الخطة الشاملة" لوزير الداخلية الألماني، هورست زيهزفر، بشأن الهجرة على ضرورة معالجة جذور مشكلة الهجرة في الدول المصدرة للمهاجرين. ولكن ماذا وراء هذا الهدف المعلن؟ وهل إخراج الخطة إلى حيز الوجود بالأمر السهل؟

تنص خطة وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر الشاملة بشأن اللاجئين على أن معالجة أسباب الهجرة أمر جوهري لضمان الاستراتيجية الهادفة للحد من عدد المهاجرين. غير أن فيلكس براونزدورف من مؤسسة فريدرش إيبرت، المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يقول معلقاً على الخطة: "الهدف الرئيسي هو خفض عدد طالبي اللجوء في ألمانيا، وليس مكافحة الأسباب الجذرية للجوء. الخطة فضفاضة وحمّالة أوجه".

"خطة مارشال لأفريقيا"

في الصفحات الأولى للخطة يطرح زيهوفر فكرة "خطة مارشال لأفريقيا". وقد طرحت الفكرة للمرة الأولى العام الماضي وترمي إلى تشجيع التجارة والاستثمارات في القارة السمراء للإسهام باستقرار المجتمعات وتوفير فرص العمل لتشجيع الأفارقة على عدم الهجرة إلى أوروبا.

وحسب الخطة فإن "90 بالمئة من المهاجرين ينحدرون من مناطق الحروب والأزمات والتي غالباً ما تكون بلداناً نامية". كما تتطرق الخطة إلى توفير آفاقا مستقبلية للمهاجرين المحتملين في بلدانهم الأصلية. ولكن براونزدورف يعود ويسكب ماء بارداً على ما تبدو أنها أهداف بعيدة عن التحقيق: "عندما يتمعن المرء في العبارات والجمل، يخرج بنتيجة إنها لا تقول شيئاً، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال، عن الأسباب الحقيقية للمشكلة. أحد المقاطع يتحدث عن خلق آفاق في البلدان المصدرة للاجئين، ولكن السؤال هو كيف يمكن توفير الظروف لمثل تلك الأفكار في بلدان تعصف بها الصراعات".

Migrants from sub-Sahara Africa after being rescued in the Mediterranean

ويعتقد براونزدورف أن الخطة هي عبارة عن تجميع لسياسات موجودة اليوم. تقترح الخطة تقوية البنى التحتية في مناطق الأزمات وبناء مشاريع تنموية بعيدة المدى والتي من المفترض أن "تكافح الفقر وتطور الاقتصاد وتؤمن التعليم والتدريب المهني. يضاف إلى ما سبق أن التعاون مع الدول المصدرة للاجئين سيؤدي إلى حماية المناخ ومساواة المرأة في الحقوق واحترام حقوق الإنسان وتشجيع إدارة حكومية قوية". ولكن الخطة تنص على عدم وجود تغيير في حجم الدعم التنموي الذي تقدمه ألمانيا لدول العالم الثالث حتى عام 2022.

وفي واقع الحال فإن الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ تقدم بالفعل العديد من تلك البرامج التنموية. وحسب صفحة الوكالة على الشبكة العنكبوتية فهي تقدم "33 ألف فرصة عمل جديدة للأفغان ومداخيل عالية لحوالي 100 ألف أفريقي في جنوب الصحراء وتحسن ظروف العمل لمليوني إنسان في أرجاء المعمورة وتدير-بشكل مستدام-ما يساوي مساحة عشر ملايين ملعب كرة قدم".

بين الورق والواقع

ترعى ألمانيا بذور شراكة بين القطاعين العام والخاص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، بقصد دعم السكان المحليين وقطاع الأعمال. غير أن ذلك كان محط نقد من جانب بعض المحللين ومستفيدين من الدعم.

في عام 2017 سلط فيلم وثائقي، أعدته هيئة الإذاعة والتلفزة العمومية الألمانية WDR، الضوء على مزرعة في زامبيا. كانت من المفترض أن تكون المزرعة أنموذجية لمثل تلك المشاريع التنموية التي تقدمها ألمانيا. وبدا أن المشروع يحقق أرباحاً، إلا أن الفيلم يسجل غضب سكان قرية مجاورة وهم يرون الماء الغزير يروي المزرعة بينما لا تتوافر في قريتهم سوى مضخة صغيرة للماء.

كان من المخطط أن توفر المزرعة 1600 فرصة عمل. بيد أن السكان قالوا إنه وحتى في حال حصولهم عليها فإنها تكون بشكل مؤقت وبأجور منخفضة. ويدعي السكان أن المزرعة أثرت على أراضيهم ولم يصبح بمقدورهم زرع ما يحتاجونه من طعام وأنهم أصبحوا جوعى.

وترى الباحثة في معهد التجارة والمعلومات والمفاوضات في أفريقيا الجنوبية والشرقية والذي يقع مركزه في أوغندا، جين سيرواجي نالونغا، تلك الاستثمارات الأجنبية بأنها "كارثية على أفريقيا". وتبرر رأيها بأن المستثمرين الأجانب يسعون للربح بدلاً من تحقيق التقدم للبلدان الأفريقية. وحتى في حال نجاح الاستثمارات فإنها لا تعود بالفائدة إلا على عدد محدود من السكان المحللين في الوقت الذي تعاني منه البلدان الأفريقية من مشاكل هيكلية جمّة، حسب ما ورد على لسانها في الفيلم الوثائقي.

على أوروبا البدء

تنظر مؤسسة فريدرش إيبرت للمشكلة من زاوية مختلفة. إذ يعتقد فيلكس براونزدورف إنه عوضاً عن محاولة تغير البلدان النامية لمعالجة أسباب الهجرة، يمكن لأوروبا وألمانيا أن تكونا أكثر فعالية إذا شرعتا بتغير سياستهما أولاً، مقترحاً، على سبيل المثال، وضع قيود أكثر صرامة على تصدير السلاح لمناطق النزاعات.

ويعترف براونزدورف أن مقاربته "أكثر صعوبة" من تقديم الدعم للدول المصدرة للاجئين فقط. غير أنه يقول إن ذلك سيعود بالفائدة أكثر من "الهبوط بالبراشوت على دول العالم الثالث كرجل السوبرمان". ويشير الخبير الألماني إلى أن معظم البلدان المستهدفة بالمساعدات لا يوجد فيها، في أغلب الأحيان، حكم رشيد، ملمحاً إلى تفشي الفساد وسوء الإدارة.


 

للمزيد