يعيش 35 مهاجرا من تسع جنسيات في مقر دار الشباب ببلدية المرسى، بعيدا عن تونس العاصمة بـ18 كلم. ونقل هؤلاء لهذا المقر بعد تفكيك مخيم شوشة في جنوب البلاد. ويواجهون اليوم وضعا صعبا بسبب الفقر والجوع والمرض، دون أن تهتم بهم أي جهة من الجهات منذ العام. ريبورتاج:
أمواج البحر التي تغري عشاق ركوب الأمواج في المنطقة السياحية للمرسى، على بعد 18 كلم من العاصمة تونس، تخفي تحت جمالها مأساة 35 مهاجرا. "نسينا العالم، ولم يعد أي كان يهتم بنا"، يقول أحمد، وهو مهاجر من ساحل العاج، محتجا على هكذا وضع لمهاجر نيوز.
ويقيم هؤلاء المهاجرون في مقر تابع لوزارة الشباب والرياضة في المدينة غير بعيد عن الشاطئ، منذ حوالي سنة ونصف. تم نقلهم إلى هذا الفضاء بعد تفكيك مخيم شوشة في جنوب البلاد، إلا أنهم لم يستفيدوا من إعادة التوطين كما كان شأن العديد من المهاجرين الآخرين الذين وزعوا على دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا. ويشعر هؤلاء اليوم أن المنظمات الدولية المهتمة بملف الهجرة واللجوء خذلتهم، وتركوا وحدهم يواجهون مصيرا مجهولا، تحت معاناة الفقر والجوع والمرض.
"تمر أيام دون أن نأكل أي شيء"
استفحلت أوضاعهم أكثر إثر وقف المساعدات الغذائية عنهم بعد أربعة أشهر من وصولهم إلى هذا المكان. "يمكن أن تمر أيام دون أن نأكل أي شيء"، يكشف إبراهيم القادم من دارفور الوضع المعيشي اليومي الصعب لهذه المجموعة من المهاجرين، التي أصبح لها وضع خاص حتى في أعين السلطات.
يحظى أفراد المجموعة بنوع من التسامح من قبل السلطات بالنظر لماضيهم. "رجال الشرطة عندما يعرفون أننا من لاجئي مخيم شوشة السابق، لا يوقفوننا"، يلفت أحمد إلى تعامل السلطات مع المجموعة، لاسيما عندما يخرج وصديقه الغاني قادري للتسول بهدف إطعام الجميع. "اضطررنا للخروج إلى الشارع للحصول على الطعام"، يضيف أحمد، وهي عملية "لا يقوم بها المرضى أو الأكبر سنا من المجموعة. وهذا الوضع مستمر منذ عام".
وفي ظل هذه الظروف القاسية، يسود التضامن بين أفراد المجموعة لتجاوز مصاعب العيش اليومية. "لدينا فريق من الشباب، هم الذين يتطوعون لإعداد الطعام للجميع، وكبار السن والمرضى معفيون من ذلك"، يتحدث أحمد عن الأجواء السائدة وسط المجموعة، ويؤكد أنها "أسرة واحدة". وعلى الرغم من كثرة عددها، فهي تعيش في وئام وتفاهم "دون أدنى مشكلة".
"تعرضت للاستعباد من قِبل أسرة تونسية لستة أشهر"
معاناة ومرض
الكثير من هؤلاء لم تعد تربطهم أي علاقة بعائلاتهم، غادروا بلدانهم منذ ما يقارب العشرين السنة، كما هو شأن أحمد المنحدر من دارفور والبالغ من العمر 56 عاما. "غادرت دارفور بسبب الحرب في 2013. أقمت في ليبيا سنوات، وأجبرت على مغادرتها بسبب الوضع هناك"، يحكي لمهاجر نيوز قصته مع الهجرة. ويستعرض في الوقت نفسه جملة من الوثائق الطبية، تؤكد أنه يعاني من مرض في المريء، لكنه لم يتناول الدواء منذ عام لأن إمكانياته المادية لا تسمح له بشرائه.
الوضع نفسه يعيشه مواطنه إبراهيم. فهو شخص نحيف يملك كشوفات طبية تفيد أنه مريض بالقلب وضيق في التنفس. لكن وضعه الصحي لم يشفع له في أن يتلقى أي رعاية من أي جهة من الجهات. ويعبر عن خشيته من استفحال المرض "لا أدري ما الذي ينتظرني، يمكن أن يتعقد وضعي صحي مع مرور الأيام".
ويضيف إبراهيم الذي شارف عمره الخمسين "نشعر أننا محتجزون. نقضي اليوم بين الجدران"، وهو يعرض على مهاجر نيوز وثائق الفحوصات الطبية.
مطلب إعادة التوطين
ويشدد جميع أفراد المجموعة على أنهم لاجئون، ويرفضوا أن يوصفوا بالمهاجرين. "المجتمع الدولي قام بنقلنا إلى هنا، وعليه أن يجد لنا حلا" يشدد أحمد، وتؤكد المجموعة على أن الحل الوحيد هو "إعادة توطينهم في دول أوروبية" دون أن يحددوا بلد بعينه، قبل أن يضيف كلينسي، وهو مهاجر ليبيري، "نريد الدخول إلى أوروبا من الباب، وليس من النافذة".
ويرفضون جميعا ركوب أمواج البحر يوما وتعريض حياتهم للخطر للوصول إلى أوروبا. "نحن متضامنون فيما بيننا، ونريد حلا لوضعيتنا بنقلنا لدول أوروبية، ونرفض ركوب قوارب الموت للعبور لأوروبا" يؤكد أحمد، قبل أن يضيف فرد آخر من المجموعة "نحن لسنا بحراقة كما يعتقد البعض".
وفي نفس السياق يتابع إبراهيم "رفضنا طلب اللجوء في تونس في 2013 لأن تونس لا يمكن لها أن توفر لنا الحماية الدولية. ونطالب حتى اليوم بتنفيذ مخطط إعادة التوطين بحقنا"، أي توزيعنا على الدول الأوروبية.
وعندما يتحدث عن المستقبل، يبتسم أحمد قليلا قبل أن يرفع نظره لسطح القاعة ليقول "أجهل ما يمكن أن يحمله لنا المستقبل"، معتبرا أن هذا لا يخيفه وحتى إن تعرض يوما للاعتقال، "لأني انخرطت في معركة ليس من أجلي فقط، وإنما لصالح كل اللاجئين الذين يمكن أن يقعوا يوما في نفس الوضع".