"مختبر السلام"، جمعية غير حكومية تأسست قبل أكثر من 40 عاما على أيدي مجموعة من الرهبان الفرنسيسكان بهدف دعم برامج التعليم والتربية على السلام في مالطا. الجمعية اليوم باتت منتشرة في أنحاء البلاد، ويقع مركزها الرئيسي قبالة مدخل مخيم هل فار لإيواء المهاجرين. الأح ديونيسوس مينتوف، مؤسس الجمعية، تحدث لمهاجر نيوز عن الأنشطة التي يقومون بها وأبرز التحديات التي تواجه المهاجرين الذين رفضت طلبات لجوئهم.
مقابل مدخل هل فار تجمع عدد من المهاجرين أمام باب إحدى الجمعيات العاملة في المنطقة. عمليا إنها الجمعية الوحيدة المتواجدة هناك. المهاجرون كانوا يدخلون إلى مقر الجمعية حيث يقوم متطوعون بتسجيل بياناتهم الشخصية والمهنية، ويساعدونهم على كتابة سيرة ذاتية تساعدهم على الحصول على عمل في مالطا.
الجمعية تدعى "مختبر السلام". تأسست قبل نحو 40 عاما بهدف دعم برامج التعليم والتربية على السلام في الجزيرة. مؤسس الجمعية، ديونيسوس مينتوف، رجل دين يتبع للكنيسة الفرنسيسكانية، قال لمهاجر نيوز إن "وجود الجمعية بهذا المكان تحديدا ليس صدفة، فالمهاجرون هنا باتوا يعلمون أن هناك واحة يمكنهم اللجوء إليها متى أرادوا".
بعد الدخول من الباب الرئيسي، تجد نفسك في غرفة صغيرة مرصوصة بالحواسيب والمتطوعين والمهاجرين، معلومات وأسماء وأصوات نقر على الطابعات. بعد تلك "العجقة" والنشاط، ينفتح المشهد على حديقة خلفية مزروعة بالزيتون والكيناء، يختبؤ في ظلالها عدد من التماثيل والأعمال الفنية الحجرية. في وسط تلك الحديقة غرفة بجدران بيضاء، بابها مفتوح ويظهر من خلاله رجل كبير في السن منكب على قراءة مخطوطة بين يديه.
من وراء أكوام من الأوراق والكتب والملفات، يطل الأخ مينتوف، كما يحب أن يدعى، ببسمة واضحة ودعوات متكررة للدخول والجلوس. في الغرفة المتواضعة التي تكاد تختفي ملامحها من صفوف الكتب المتراصة على جدرانها، يدير الأخ مينتوف عمل جمعيته بمثابرة ونشاط.
"لدينا برامج صحية وتعليمية وقانونية"، يقول لمهاجر نيوز، "كما لدينا برنامجا لاستقبال عشرات المهاجرين ممن رفضت طلبات لجوئهم، نستضيفهم هنا في الفناء الخلفي للجمعية... ما نريد القيام به هو تحقيق فارق، ولو ضئيل، بمواجهة كل هذا الأسى والشر الذي يتعرض له هؤلاء المساكين".
لا يخفي مينتوف شعوره بالضيق من سياسات بلاده تجاه المهاجرين، "تقتلع الحروب والتطهير العرقي والكراهية العائلات من جذورها. جرائم وموت ومآس ترافق المهاجرين أثناء رحلاتهم... وعندما يصلون إلى أرضنا بأمان، فإنهم يعتبرون مهاجرين غير شرعيين ويتعين عليهم المرور بإجراءات قانونية لا تنتهي".
معاناة المهاجرين في مالطا تعود لوقت طويل
يسرد مينتوف أحداثا وقعت قبل أكثر من 15 عاما، أثرت بسير قضية الهجرة وقانون اللجوء في بلاده.
"عام 2000 وقع جدال كبير في البلاد، وصلت حينها سفينة تحمل حوالي 200 مهاجر إريتري. الجدل انتقل من أروقة المؤسسات المعنية إلى الشارع، الخطاب الشعبوي حينها كان سائدا تجاه هؤلاء. بعد أخذ ورد، قررت لحكومة إعادتهم إلى إريتريا، ورافقهم وفد من الشرطة لضمان تسليمهم للسلطات هناك. شهود عيان أخبرونا لاحقا أن معظمهم قتلوا قبل أن يخرجوا من المطار.
تلك المأساة أثرت بنا كثيرا، فقررنا التصدي لمثل تلك الحوادث.
عام 2005 كنا على أعتاب تكرار نفس المأساة، أخذت الموضوع على عاتقي حينها. كان الجو في مالطا معاديا للمهاجرين بشكل كبير، كما كان هناك عدائية وكراهية شديدة تجاه من يسعى لمساعدة المهاجرين. حينها رفعت دعوى قضائية ضد الحكومة المالطية، عاونني فيها محام يدعى جورج أبيرا، أصبح لاحقا رئيسا لمالطا.
قبل المحاكمة، تمكنت من التسلل إلى المركز الذي كان هؤلاء المهاجرين محتجزين فيه. كانت الظروف مأساوية، أكثر من 100 شخص مكدسين في غرفة لا تتسع لأكثر من 30. وثقت الظروف كافة بمساعدة صحفي شاب. لم أحظ بأي دعم من داخل مالطا، حتى الكنيسة كانت ضدي. إلا أنني تمكنت من حشد الدعم من الخارج.
القضاء المالطي أنصفنا وقتها وربحنا الدعوى على الحكومة، وتمكنا من إرساء قانون لأول مرة في البلاد يمنع الإعادة القسرية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.
طبعا مازال الطريق طويلا، والوضع الآن، على بشاعته، أفضل بكثير من تلك الفترة".
نستقبل فقط من رفضت طلبات لجوئهم
وفقا لمنتوف، يستقبل مركز "مختبر السلام" 77 مهاجرا رفضت طلبات لجوئهم، 55 رجلا و22 امرأة، جلهم من بلدان أفريقية. "نحاول توفير كافة الظروف الملائمة لهم هنا" يقول منتوف.
تتوزع في الحديقة الخلفية للمركز مجموعة من الخيم، إضافة إلى مستوعبات حديدية تم تحويلها لمنازل جاهزة. "نستقبل في كل غرفة 6 أخاص فقط. هناك ثلاثة مطابخ كاملة التجهيز وضعناها بتصرف المهاجرين. كما أننا زودنا المكان ببعض الوسائل الترفيهية التي تساعدهم على قضاء أوقات جميلة".
وتحدث مينتوف عن مجموعة من الأنشطة الموسيقية والثقافية والاجتماعية التي قام بها المركز للمهاجرين، منها أمسية موسيقية حضرها المئات من المهاجرين من مختلف المراكز المحيطة بهم.
"نحضهم دوما على التواصل" يورد الأخ مينتوف، لدينا أخصائيين نفسيين يزورونهم هنا ثلاث مرات شهريا، كما لدينا مستوصفا طبيا يعمل فيه ثلاثة أطباء يأتون ثلاثة مرات في الأسبوع. الدواء مؤمن مجانا".
بالنسبة لنا، هناك ضرورة ليتمكن هؤلاء من إيجاد هدف بحياتهم" يؤكد مينتوف. "رفضت طلبات لجوئهم ولا يمكن إعادتهم إلى أوطانهم، هم باقون هنا الآن، لذا يجب الاهتمام بهم ومساعدتهم كي لا يتحولوا لاحقا إلى مشردين في الشوارع. أنا متأكد من أنهم سيجدون طريقة لتغيير حياتهم، ولكن من الآن إلى ذلك الوقت سنبقى بجانبهم".
وشدد الأخ الفرنسيسكاني على أن مهمة مركزه متداخلة بشكل وثيق مع دمج هؤلاء في المجتمع المالطي، "نحاول تأمين وظائف لهم من خلال علاقاتنا. طبعا الموضوع ليس سهلا ولكنها الطريقة المثلى للمهاجرين ليتعرفوا أكثر على هذا المجتمع وعلى قدراتهم الذاتية أيضا".
ويضيف، "أقمنا مدرسة لتعليم اللغة الإنكليزية، كما لدينا مكتبة صغيرة للراغبين في المطالعة. حتى أنني تمكنت من توفير قطعة أرض صغيرة لبناء مسجد عليها، بالقرب من كنيستنا الصغيرة. كل ما نريده هو استخدام إمكانياتنا المتواضعة لخلق ظروف أفضل لهؤلاء، تساعدهم على استعادة إيمانهم بالإنسانية".