مهاجرون في أدرنة التركية قرب الحدود مع اليونان. الصورة: مهدي شبيل/مهاجرنيوز
مهاجرون في أدرنة التركية قرب الحدود مع اليونان. الصورة: مهدي شبيل/مهاجرنيوز

على الحدود التركية اليونانية، يحاول المهاجرون عبور نهر إيفروس لبلوغ الأراضي اليونانية منذ إعلان أردوغان فتح حدود بلاده أمامهم. إلا أن تلك المحاولات لا تتم بشكل عفوي من قبل المهاجرين وإنما بتنظيم من جهات رسمية تركية، في ظل إصرار اليونان على منع المهاجرين من عبور الحدود بشتى الطرق. مهاجر نيوز يكشف تفاصيل عملية تنظيم ونقل المهاجرين إلى نقاط عبور محددة على ضفاف نهر إيفروس الممتد على طول الحدود بمسافة 480 كلم.

"اليوم الحافلات فقط باتجاه أنقرة وإسطنبول. أما اليونان، فليست على القائمة"، بلهجة ساخرة يردد رجل عراقي كلماته قبل أن يقاطعه شاب تركي قائلا "لا داعي لإكمال الحديث مع الصحافة. لا نريدهم هنا".

يظهر الشاب بطاقته العسكرية ويأمر الصحافيين بالابتعاد عن مكان ليس حقا على الحدود التركية اليونانية، حيث المنطقة "الساخنة" المحظورة على الصحافيين. إنه محطة وقود على أطراف مدينة أدرنة الحدودية، افترشها أكثر من 150 شخصا بينهم عائلات وأطفال.

قبل أن يتدخل عنصر الأمن، كان فريق مهاجر نيوز قد تمكن من الحديث مع شابة عشرينية جالسة على الأرض تسند رأسها المثقل بالهموم على يدها، "السبت الماضي، ركبنا في باصات تركية من أدرنة حتى نهر إيفروس (مريج). قالوا لنا بإمكانكم العبور من هنا إلى الضفة المقابلة. تمكنا بالفعل من الوصول إلى الأراضي اليونانية، لكن سرعان ما أمسكت بنا الشرطة اليونانية وتعاملوا معنا بطريقة مهينة للغاية، أخذوا جميع هواتفنا المحمولة وقاموا بتفتيشنا والاستيلاء على ما كان بحوزتنا من مال وأغراض، وانتهى الأمر بجعلنا نعود إلى تركيا دون أي شيء. أخذوا حتى حفاضات أطفالي وثيابهم".



تتوقف الشابة السورية التي هربت من مدينة إدلب منذ بضعة أشهر عن الحديث هنيهة، وكأنها تبذل قصارى جهدها للحفاظ على رباطة جأشها قبل أن تتابع "عدنا إلى الطرف التركي ووجدنا سيارات الشرطة التركية الذين أرجعونا إلى محطة الوقود. نحن ننام هنا منذ أربعة أيام بانتظار أن يقولوا لنا إنه بإمكاننا العبور إلى اليونان".

وعبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه الشديد إزاء الوضع على الحدود الغربية لتركيا مع اليونان، واستنكر التعامل العنيف لقوات الأمن اليونانية مع طالبي اللجوء، والذي تضمن "استخدام دوريات حرس الحدود الغاز المسيل للدموع ضد المدنيين والأطفال، واستخدام خفر السواحل أسلحة نارية وهراوات معدنية". وطالب المرصد الدولي بالتأكد من أنّ التمويل الأوروبي الأخير لليونان لن يساعدها على ارتكاب مزيد من "الانتهاكات".

في محطة الوقود التي تحولت إلى تجمع للمهاجرين، تصل حافلات بيضاء كبيرة تتسع لحوالي 60 شخصا، تارة ينزل منها مهاجرين، وتارة تأخذ تلك الحافلات المهاجرين باتجاه الحدود اليونانية، وفقا لشهادات متقاطعة جمعها مهاجر نيوز أثناء زيارة المنطقة.

وتوافد آلاف المهاجرين إلى المناطق الحدودية شمال غرب تركيا، خاصة مدينة أدرنة، أملا بعبور الحدود مع اليونان، بعدما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة الماضية أنه لن يمنع المهاجرين الراغبين بالخروج من حدود بلاده باتجاه أوروبا، في خطوة جاءت ردا على مقتل 33 جنديا تركيا شمال سوريا في قصف نفذه النظام السوري المدعوم من روسيا.

وحوالي الساعة الثامنة مساء، وعلى بعد بضعة كيلومترات من محطة الوقود، تقف شاحنة عسكرية على طريق فرعي، يهم الأشخاص بالنزول منها بهدوء تام تتخلله أصوات بكاء امرأة، بينما يحيط بهم خمسة عناصر من الجيش التركي مدججين بالسلاح.

نزل حوالي 80 شخصا بينهم 9 أطفال، وشباب حافين الأقدام، منهم من غطى قدميه بأكياس بلاستيكية، وكانوا أغلبهم دون سترات رغم تدني درجات الحرارة، صعدوا جميعهم على متن حافلة بيضاء كانت تقف إلى جانب الشاحنة العسكرية.



اتجهت فيما بعد الحافلة البيضاء إلى محطة الوقود. نزل منها الشاب الفلسطيني سامي* بجسده الهزيل المتعب، حافي القدمين يرتدي قميصا قطنيا خفيفا، "بعدما تمكنا من عبور نهر إيفروس أمسكت بنا الشرطة اليونانية بعنف، أخذوا هاتفي وجميع حاجياتي. وجعلونا نخلع أحذيتنا قبل أن يعيدونا إلى الجانب التركي".

يكمل سامي المنهك "كانت الشرطة التركية بانتظارنا على الطرف المقابل. وفور عودتنا، نقلونا على متن حافلة عسكرية إلى هنا. نستطيع الآن أخذ قسط من الراحة في محطة الوقود".

بعيدا عن أعين الصحافيين والكاميرات التي تملأ المناطق المحاذية لمعبر بازاركولي الحدودي، حيث ينام حوالي 200 مهاجر في العراء دون خيام ولا فراش، ارتأت السلطات التركية أن تنقل المهاجرين الذين يتم إرجاعهم من الطرف اليوناني إلى محطة الوقود في بلدة أوزونكوبرو القريبة من نهر إيفروس، والتي تبعد أكثر من 50 كيلومترا من المعبر الحدودي.

وبذلك، تتركز حركة عبور المهاجرين إلى الطرف اليوناني عبر نهر إيفروس، في ظل التشديد الأمني الكثيف من الشرطة اليونانية التي تطلق الغاز المسيل للدموع على المهاجرين والمتهمة بإصابة وقتل مهاجرين على البوابة الحدودية. وأعلن أمس وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، خلال زيارة المعبر، أن بلاده تعمل على نشر ألف عنصر من شرطة المهام الخاصة على ضفاف النهر، لمنع إجبار طالبي اللجوء على العودة من قبل الجانب اليوناني.



رأيت كيف يساعد جنودنا الأتراك المهاجرين على الصعود في القوارب المطاطية لعبور النهر
_ أحمد، سائق حافلة تركي


أحمد، شاب تركي سائق لإحدى تلك الحافلات، أكد لمهاجر نيوز أن دائرة الهجرة التركية هي التي تدير الحافلات التي تنقل المهاجرين إلى النقاط الحدودية، "أنا أحضرت البارحة حوالي 55 مهاجرا، أغلبهم من الجنسية الأفغانية، من مخيم للمهاجرين في مدينة أرضروم التركية حتى بلدة مريتش على أطراف نهر إيفروس. قطعنا مسافة حوالي 1500 كلم لإيصال المهاجرين من مخيمهم إلى النهر".

"على ضفاف النهر بالقرب من قرية أليباي، أنزلت المهاجرين، ورأيت 14 حافلة أخرى جميعها كانت مليئة بالمهاجرين، معظمهم من الأفغان. رأيت كيف يساعد جنودنا الأتراك المهاجرين على الصعود في القوارب المطاطية لعبور النهر. لكن 90% من هؤلاء الأشخاص تتم إعادتهم إلى تركيا"، يقول السائق الذي تحفظ على ذكر تفاصيل إضافية خوفا من أن يتعرض لمشاكل أمنية، "أردت مشاركة ما رأيت بأم عيني معكم، لأن ضميري غير مرتاح لما يحصل من حولي على المعابر الحدودي".

ووفقا لشهادات مهاجرين، وجهتهم السلطات التركية لعبور نهر إيفروس عبر نقاط محددة، فالأمر ليس فوضويا على عكس الصورة التي تريد السلطات التركية أن تروج لها بوجود مئات آلاف المهاجرين الذين يجتاحون الحدود مع أوروبا، إذ لا يمكن للمهاجرين اختيار أماكن عبور النهر الممتد على طول 480 كم بشكل "عفوي"، النقاط يتم تحديدها من قبل الجندرما التركية.



"لم تطرأ تغييرات حقيقية على سياسة تركيا بالتعامل مع المهاجرين، إنها مجرد سياسة ابتزاز"

وبعد أن شهدت الحدود البرية على معبر بازاركولي الكثير من الأنباء المتضاربة حول وقوع قتلى برصاص حرس الحدود اليوناني، تبقى أرقام المهاجرين القابعين على المعبر الحدودي بين الأراضي التركية واليونانية غير واضحة تماما ولا يمكن التحقق من صحتها.

وزارة الداخلية التركية تقول إن هناك أكثر من 130 ألف مهاجر على بوابة معبر بازاركولي، إلا أن السلطات منعت الصحافيين من الوصول إلى تلك المنطقة ولا يوجد سوى بعض الجمعيات الإغاثية ووسائل الإعلام الرسمية المقربة من الحكومة التي تستطيع الدخول إلى تلك المنطقة بشكل رسمي لنقل ما يحدث على أرض الواقع.

وأعلنت مصادر رسمية يونانية الخميس أن اليونان منعت حوالي 35 ألف محاولة عبور الحدود إلى أراضيها خلال أسبوع، وبلغ عدد الاعتقالات لمن نجحوا في العبور 244.

النائب البرلماني المعارض عمر فاروق جيرجير أوغلو، عضو لجنة حقوق الإنسان في تركيا، كان في زيارة رسمية إلى المعبر الحدودي منذ ثلاثة أيام، ووصف تصريحات وزارة الداخلية حول ما يحدث في تلك النقطة الساخنة بأنها "غير جادة"، وقال لمهاجر نيوز خلال مقابلة هاتفية "عدد المهاجرين الذي نشرته وزارة الداخلية غير دقيق، والسلطات المحلية تعلم ذلك إلا أنها لا تستطيع مخالفة الأرقام التي تصدرها وزارة الداخلية".

وأوضح أنه لم يكن من السهل في البداية أن يدخلوا تلك المنطقة، إلا أنه "بعد الإصرار على زيارة المنطقة، وافقت السلطات على السماح لنا بالدخول. إلا أن الهدف من ذلك لم يكن لرؤية ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان، وإنما فقط من أجل انتقاد الطرف اليوناني".



وأكد النائب أنه "لم تطرأ تغييرات حقيقية على سياسة تركيا بالتعامل مع المهاجرين، إنها مجرد سياسة ابتزاز" للضغط على الاتحاد الأوروبي.


*تم تغيير الأسماء حفاظا على سلامة الأشخاص

 

للمزيد