في مخيمات الشمال السوري، حملات توعية وتعقيم وجهود محلية ومجتمعية، للتصدي لفيروس كورونا المستجد، في ظل أوضاع معيشية متردية وبنى تحتية شبه معدومة وظروف اقتصادية سيئة يرزح تحتها مئات آلاف النازحين في ريفي إدلب وحلب.
"إيجاد عمل بالنسبة لأي رب أسرة في المخيمات، لتأمين لقمة عيش لأسرته في هذه الأوضاع الإنسانية بالغة الصعوبة، هو ضرورة وحلم"، يقول الناشط أحمد المقيم في ريف إدلب، ويضيف أنه في حال تفشى فيروس كورونا المستجد "فنحن أمام كارثة على المستويين الطبي والمعيشي".
وفي ظل نقص المساعدات الإنسانية، سيواجه الأشخاص الملتزمون بالإرشادات الوقائية والمضطرون للبقاء في خيمهم، كارثة مادية، يتساءل أحمد " كيف سيتمكن الشخص من تأمين الطعام وسد حاجاته الأساسية؟ وفي حال انتشار الفايروس، كيف ستتم السيطرة على الكارثة الصحية وأغلب النازحين يعاني من الفقر؟".
بحسب الأمم المتحدة، خلّفت تسعة أعوام من الصراع آثارا مدمّرة على السوريين: 64% من المستشفيات و54% من مراكز الرعاية الصحية الأولية فقط كانت تقوم بوظائفها بشكل كامل حتى نهاية العام الماضي. ونحو 70% من العاملين في القطاع الصحي تركوا البلاد.
وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية @UNReliefChief في #باب_الهوى على الحدود السورية-التركية يعاين الاحتياجات الهائلة في الميدان برفقة المندوبة الأمريكية @USAmbUN
— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) March 4, 2020
-تفاصيل زيارته في هذا التقرير: https://t.co/ar0RLBj3D3@UNOCHA_ar pic.twitter.com/52LY8Af6Ln
توفير المواد الغذائية الأساسية "ليس أقل أهمية من تجهيز المشافي"
خلال الأشهر الخمسة الماضية، تجاوز عدد النازحين في شمال غرب سوريا، 800 ألف شخص أغلبهم من الأطفال والنساء، 550 ألف من النازحين فرّوا إلى مناطق داخل إدلب، مثل الدانا ومعرّة مصرين. ونزح أكثر من 250 ألفا إلى شمالي حلب، لا سيما عفرين وعزاز وجندريس والباب.
محمد حسنو، المدير التنفيذي في وحدة تنسيق الدعم التابعة للائتلاف الوطني السوري، شدد خلال حديثه مع مهاجر نيوز، على أهمية دعم قطاع الأمن الغذائي، فتوفير المواد الغذائية الأساسية "ليس أقل أهمية من تجهيز المشافي أو رفع قدرة المخابر".
وأكد حسنو على ضرورة دعم القطاعات المساندة للقطاع الصحي، لاسيما قطاع المياه والإصحاح البيئي، "فكل إرشادات التوعية تحث على النظافة المنزلية والشخصية والعناية بأعمال التعقيم، ولكن في الوقت نفسه، يعاني السكان صعوبة لتوفير الحد الأدنى من حصتهم في مياه نظيفة سواء للشرب أو لأغراض النظافة، ناهيكم عن تأمين مواد التنظيف والتعقيم".
للمزيد: إدلب.. "مستوى الاستعداد الحالي غير كاف في ظل أزمة كورونا"
تحديات طبية مستمرة
في الشمال السوري، حيث تعتبر المنشآت والفرق الطبية نقاط يتم استهدافها عسكريا، هناك متطلبات واحتياجات طبية مستمرة تواجه فرق الدفاع المدني، فأمس الثلاثاء 31 آذار، أصيب شخص جراء انفجار قذيفة من مخلفات قصف سابق في قرية الحلوانية بريف حلب الشرقي.
وقال سراج محمود، ناطق إعلامي باسم الدفاع المدني، لمهاجر نيوز "أدى قصف النظام وحليفه الروسي إلى تدمير البنية التحتية والمرافق العامة من مدارس وأفران، كما كانت المستشفيات إحدى أهم المرافق المستهدفة حيث تعرض 61 مشفى للقصف منذ شهر نيسان/أبريل الماضي حتى بداية شهر آذار/مارس".
وبينما تتابع فرق الدفاع المدني عمليات الإغاثة في المنطقة، تتواصل عمليات التعقيم والتطهير في المخيمات والتجمعات السكانية، "كافة مخيمات الشمال السوري، والتي تؤوي أكثر من مليون ونصف مليون نازح، إضافة إلى المرافق العامة، هي من ضمن أهدافنا في حملة التطهير للوقاية من فيروس كورونا. وتسعى فرقنا للوصول إلى أغلب التجمعات البشرية وتأمين أقصى درجات السلامة لأهلنا المدنيين، مع الاستمرار بحملات التوعية للتحذير من الفيروس وطرق الوقاية منه".
ولا تستطيع المخيمات الصمود في وجه التغيرات المناخية، ففي الشتاء غالبا ما تتجمع مياه الأمطار وتغزو خيم النازحين، وشهدت تلك المخيمات اندلاع حرائق ناجمة عن إشعال السكان النار للحصول على بعض الدفء. ولا تقل الأوضاع قسوة، خلال الصيف، فمع ارتفاع درجات الحرارة تزيد الحياة المعيشية صعوبة لاسيما في ظل نقص المياه والحر الشديد.
مخيمات عشوائية
وأوضح سراج محمود أن عدد مخيمات الشريط الحدودي مع تركيا "يبلغ 1259 مخيما بينها نحو 250 مخيماً عشوائيا، وتفتقد تلك المخيمات أدنى مقومات الحياة".
محمد كنجو نائب رئيس لجنة الاستقرار في ريف حلب، أكد من جهته لمهاجر نيوز على أن عدد سكان المخيمات النظامية يبلغ حوالي 160 ألف نسمة، والعشوائية 130 ألف، بالإضافة إلى مخيمات الإيواء الجماعي التي تم إقامتها مؤخرا بعد موجة التهجير الأخيرة من ريف إدلب والريف الجنوبي والشمالي لمحافظة حلب نتيجة الحملة العسكرية الأخيرة.
ونظرا للاكتظاظ السكاني في مخيمات
الشمال وعدم قدرتها على استيعاب وافدين جدد، تتشكل مخيمات عشوائية عند كل موجة
نزوح جديدة، ويوضح الناشط أحمد "يتم
نصب حوالي خمسين خيمة مثلا، بين الأشجار، فيتشكل مخيم عشوائي، ويجبر هؤلاء الأشخاص
على البقاء لمدة أربع أو خمسة أشهر دون أي خدمات، ويضطرون إلى قضاء حاجاتهم بين
الأشجار، أي أن النظافة تكون شبه معدومة، قبل أن تقوم إحدى المنظمات المحلية بتأمين
مرافق صحية".
ميستي بوسويل مدير السياسة الإقليمية والمناصرة بالشرق الأوسط في لجنة الإنقاذ الدولية، حذر من خطورة الوضع "الظروف في إدلب ناضجة لانتشار المرض ولنقص الغذاء، والمياه الملوثة، والتعرض للطقس البارد، ما يجعل مئات الآلاف من الناس في حالة صحية سيئة، وهذا ما يعرضهم أكثر للإصابة بفيروس كورونا ويسرّع من انتشاره".
أما بالنسبة لجهوزية القطاع الصحي، فإمكانية الكشف عن الحالات المصابة بفيروس كورونا تبقى محدودة جدا، في ظل وجود مخبر وبائي واحد في إدلب بفريق طبي مكون من شخصين، وهو الوحيد القادر على إجراء التحاليل.
ووفقاً لشبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة، وهي مجموعة مراقبة الأمراض في شمال سوريا، ما بين 40 و70% من السكان يمكن أن يصابوا بالعدوى، بناء على معدلات الانتقال العالمية. وبحسب هذه التقديرات، يمكن أن يصاب 1.2 مليون شخص على الأقل في إدلب بـفيروس كورونا المستجد.
منذر سلال، رئيس لجنة إعادة الاستقرار التابعة للحكومة المؤقتة بريف حلب، أوضح لمهاجر نيوز أنه تم تشكيل خلية كوارث للتعامل مع انتشار فيروس كورونا المستجد، وتم اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية كإغلاق المدارس والمساجد وحظر التجمعات الكبيرة.
وأضاف "المنطقة تعيش حجر صحي جماعي على كل الأحوال، لا توجد لدينا مطارات عاملة، والحدود مع تركيا تم إغلاقها، والمعابر التجارية التي تربطنا مع المناطق المجاورة الخاضعة لسيطرة النظام السوري تم الحد منها بشكل كبير"، لكن الخوف من تفشي الفيروس يبقى هاجسا "هناك بالطبع إجراءات وقائية كتعقيم أماكن التجمعات والمخيمات، لكني أشكك بمدى فاعلية تلك الحملات، فالمخيمات تستوعب أصلا أعداد كبيرة من النازحين وتصعب السيطرة على حركة المخيمات العشوائية. في حال تفشي المرض، ستقع مصيبة، لأن ذلك سيؤدي إلى انهيار النظام الصحي الذي هو سيء أساسا".
وأشار سلال إلى إمكانية إرسال بعض العينات المشتبه بها في شمال حلب إلى مختبرات تركيا.
وبحسب تقديرات الدكتور محمد زاهر العساف، المقيم في مدينة سرمدا، فإن "المشافي غير قادرة على احتواء الأزمة بسبب قلة الإمكانيات والموارد وعدد السكان الهائل مقابل عدد الخدمات المتوفرة"، موضحا خلال حديثه مع مهاجر نيوز "الفيروس سريع الانتشار في حال تفشيه، هذا يعني عدد هائل من المرضى مقابل عدد محدود جدا من المنشآت الطبية".
ويبقى الحل الوحيد حاليا بالنسبة للطبيب، هو "تطبيق الحجر المجتمعي ما أمكن، خاصة للمسنين وذوي الأمراض المزمنة والذين لديهم ضعف في المناعة".
إجراءات رسمية
أجرت دائرة الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة حلب، تدريباً خاصاً حول جائحة كورونا في مركز التدريب والتأهيل استهدف فرق الصحة المجتمعية العاملة في المراكز الصحية، وتعمل المديرية حاليا على تجهيز مركز حجر صحي للمصابين بالمرض، مجهز بـ60 سريرا وجهاز أشعة وجهاز طبقي محوري، بحسب الدكتور عبد الكريم ياسين، المعاون الطبي في مديرية صحة حلب.
وبحسب مديرية صحة إدلب، يتجاوز عدد السكان في شمال غرب سوريا 4 ملايين نسمة، موضحة أن عدد الأطباء في المنطقة يصل إلى حوالي 600 طبيب فقط، ويبلغ عدد أسرة العناية المشددة 201، أي أنه لكل 20 ألف مواطن هناك أقل من سرير واحد متاح.
وأكد محمد حسنو، المدير التنفيذي في وحدة تنسيق الدعم، وجود وحدات تكفي لفحص 1200 عينة مشتبه بها، "إلا إنه ومع محدودية قدرة المخبر على إجراء التحاليل، والتي لا تتجاوز فحص 300 عينة شهرياً، تسعى الوحدة لإجراء مفاوضات مع المانحين ومنظمة الصحة العالمية لدعم الشمال سواء محافظة حلب أو إدلب بمخابر جديدة، من المحتمل أن تدخل حيز الخدمة قريباً".
لكن حسنو لا يخفي تخوفه مما تحمله الأيام القادمة "القطاع الصحي تعرض لمسلسل طويل ومستمر من النكبات سواء على مستوى تدمير البنية التحتية، وتفاقم حجم الاحتياج وضعف التمويل ناهيكم عن الكارثة الإنسانية التي خلفتها موجات النزوح والتي أثقلت كاهل القطاع الصحي".
ويرى حسنو أن هناك ضرورة لحث المجتمع الدولي على تقديم مساعدات تمكّن من رفع جاهزية المشافي والمراكز الصحية لتزويدها بأجهزة التنفس الاصطناعي ووحدات توليد الأوكسجين وزيادة عدد الأسرة والمستهلكات الطبية، وتقديم مستلزمات حماية للكوادر الصحية بالإضافة إلى دعم تشغيلي لهم وزيادة عدد مخابر الترصد الوبائي.
ويتساءل حسنو "كيف سيكون الحال في مناطق الشمال السوري الذي يعاني من بنية تحتية صحية متهاوية نتيجة الاستهداف والقصف المباشر والممنهج للمنشآت الصحية واستهداف الكوادر الطبية؟ إذا كانت دول ذات منظومات صحية متطورة في أوروبا غير قادرة على مواجهة المرض".