اعتقلت ماجدة خوري في سوريا نتيجة مشاركتها في الاحتجاجات ضد نظام الأسد. وبعد إطلاق سراحها، دفعتها مداهمات لمنزلها إلى مغادرة البلاد، أولاً إلى لبنان بعد ذلك إلى المملكة المتحدة، حيث مُنحت حق اللجوء. في لندن، أسست شركة تقديم طعام خاصة بها وساعدت لاجئات سوريات أخريات على استخدام مهارات الطبخ الخاصة بهن لكسب لقمة العيش في لندن.
تعترض ماجدة خوري بلطف عندما يتم
تقديمها كلاجئة، وتقول: "أحب أن أقدم نفسي كناشطة نسوية وناشطة في مجال حقوق
الإنسان، لأن هذا ما أنا عليه". مشيرة إلى أن كونها لاجئة في المملكة المتحدة
هو شيء "أجبرت" عليه، "لم يكن خياراً".
قالت خوري: "عندما جئت إلى هنا "إلى المملكة المتحدة" شعرت بالاكتئاب الشديد". "أردت أن أكون مع عائلتي. لقد تركت أطفالي لمدة عامين." آنذاك، كان طفليها يبلغان من العمر 13 و 15 عاماً فقط. قالت خوري إنها فعلت كل ما بوسعها لعدم مغادرة سوريا، حتى بعد اعتقالها لمدة أربعة أشهر.
وجدت خوري نفسها مرغمة على مغادرة البلاد فتوجهت إلى لبنان، حيث واصلت نشاطها. عملت في مخيمات اللاجئين والمهاجرين، في محاولة لدعم الناشطين الذين ظلوا في سوريا. وفي حين لم يكن لديها حق الإقامة في لبنان، لم تتمكن من العودة بعد أن دعيت للتحدث في منتدى أكاديمي عام 2017 في أدنبرة باسكتلندا. وقالت خوري بحزن: "لم يكن أمامي خيار سوى طلب اللجوء في المملكة المتحدة".
"أردت العمل"
تقول إنها ليست سعيدة في المملكة المتحدة، غير أنها ناجحة فيما وصلت إليه. تضحك قائلة: "الآن أعرف الكثير من الناس في لندن، لدي أصدقاء من كل مكان، أنا شخص اجتماعي".
انتقلت خوري إلى لندن واستضافتها عائلات مختلفة أثناء انتظار دراسة طلب اللجوء الخاص بها. وقالت خوري: " كان الناس لطفاء معي، ولكني أردت فقط أن أعمل".
حتى عندما لم يكن لديها شيء، كانت خوري مشغولة بالنشاط والتطوع والمساعدة. عند العائلات المضيفة، أينما سنحت الفرصة، تطهو وجبات الطعام وتشاركهم تجاربها أثناء ذلك. كما تواصلت مع طالبي لجوء سوريين آخرين.
توضح خوري، أنها منذ وصولها إلى المملكة المتحدة، قامت ببناء لغتها الإنكليزية من خلال الاستماع إلى الراديو "على مدار 24 ساعة في اليوم". وتقول إنها حرصت على سماع الراديو حتى أثناء نومها، "أردت تحسين لكنتي، أردت أن أتكلم، مما أعطاني القوة." وسرعان ما كانت تستخدم هذه المهارات للتحدث في الندوات والفعاليات ودروس الطهي، لتصبح طاهية، وتعطي دروس الطبخ عبر منظمة" Migrateful"، وأنشأت شركة تقديم الطعام الخاصة بها "عباد الشمس السوري".
عباد الشمس السوري
وأوضحت خوري أن زهرة عباد الشمس تمثلها بأكثر من طريقة. إذ أنها قد استخدمت صورة عباد الشمس على صفحتها على فيسبوك عند عملها كناشطة في سوريا. "أنا أحب الشمس.. لدي علاقة خاصة بها،" ثم أضافت بقلق، "ربما لهذا السبب أجد من الصعب العيش في المملكة المتحدة." عندما كان أصدقاؤها يحاولون إطلاق سراحها من السجن، كانوا قد زرعوا زهرة عباد الشمس وشاركوا رسائل تقول: "نحن في انتظارك يا عباد الشمس" على صفحتها الخاصة في فيسبوك، الأمر الذي ترك أثراً لا ينسى في نفسها.
بالنسبة لخوري، الطعام هو طريقة لسرد قصتها وقضية بلدها. هكذا نشأت فكرة طهي الطعام السوري في لندن. فمن خلال الأطباق، تشرح خوري للناس ما يحدث في سوريا.
قائمة تحت الحصار
في إحدى الدعوات لم تكن قد أعدت أطباقاً شرقية شهية كما توقع المدعون، وإنما حساء فقط، الوجبة الوحيدة التي كانت متوفرة لدى سكان الغوطة الذين كانوا تحت الحصار، مشيرة خوري إلى أن هذه الطريقة كفيله بإيصال أحداث سوريا بشكل سلس.
لطالما كانت خوري غير راضية عن النظام في سوريا، غير أنها لم تستطع فعل الكثير حيال ذلك لأن عائلتها كانت تخضع للمراقبة باستمرار.
وقالت خوري: "كان عمي قد تعرض للتعذيب حتى الموت قبل حوالي 40 عاماً، وقد زارت أجهزة الأمن إلى منزلي طوال هذه السنوات، جاؤوا وقلبوا منزلنا رأساً على عقب. ليس فقط عائلتي، معظم العائلات، هكذا كان الأمر".
في عام 2011، عندما بدأت الثورة في سوريا، رأت خوري فرصتها للعمل من أجل التغيير. بدأت في استخدام وضعها كمسيحية سورية - يُنظر إليه عموماً على أنها موالية للنظام - لتهريب الخبز إلى الناس، الذين يعانون من نقص الغذاء، عبر نقاط التفتيش.
كسر الصورة النمطية
وقالت خوري بسرور واضح عبر الهاتف لمهاجر نيوز إن شخصيتها تتجاوز توقعات الناس وبالتالي تكسر الصورة النمطية عن "اللاجئ"، مشيرة إلى إحدى القصص التي حصلت معها عند مشاركتها في حلقة نقاش مع عمدة لندن بعد وقت قصير من وصولها إلى المملكة المتحدة. إذ لم تقتصر مشاركتها على المحادثة فحسب، بل كانت الطاهية المسؤولة عن الطعام الذي قدم في المناسبة، فتوجه عمدة لندن إليها متفاجئاً: "هل أعددت كل هذا الطعام أيضاً؟" فضحكت خوري وأجابته ببساطة: "نعم ، يمكنني التحدث وأستطيع الطهي!"
على الرغم من أملها في العودة إلى سوريا يوماً ما، إلا أن حياة خوري نشيطة ومليئة في لندن، حيث أنها مشغولة بمساعدة اللاجئات السوريات الأخريات، اللاتي يأتين من خلفيات فقيرة، على استخدام مهارات الطبخ الخاصة بهن لكسب العيش في لندن. بالإضافة إلى عملها في مجال تقديم الطعام، تعمل كباحثة عبر الإنترنت لجامعة مفتوحة، وتتواصل مع الناس في المخيمات في لبنان والأردن.
لم شمل العائلة
بمجرد حصولها على حق اللجوء، تمكن ولديها من الانضمام إليها في المملكة المتحدة من خلال برنامج لم شمل الأسرة. وهما على وشك البدء في الدراسة الجامعية، غير أنهما لا يرغبان بسماع قصص نشاط والدتهم. وعلقت على ذلك بقولها لمهاجر نيوز: "بينما أحدثكم، ذهبا إلى غرفة أخرى.. كان الأمر صعباً عليهما. عندما اعتقلت لم يعرفا مكاني. واعتقدا أني قد قتلت.. أتفهم ذلك". وعلى الرغم من ذلك تشعر خوري أن لديها مسؤولية بصفتها ناشطة في مجال حقوق الإنسان لا يمكنها التخلي عنها.