عرضت عدة ولايات ألمانية استقبال اللاجئين والمهاجرين العالقين حالياً في مخيمات اللجوء على الجزر اليونانية. غير أن وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر أوقف جهودهم، داعياً إلى حل موحد على المستوى الاتحادي وكذلك عبر الاتحاد الأوروبي. لكن منتقدين زيهوفر يرون أنه يقوم بإرسال رسائل مختلطة.
أصبح الوضع في مخيمات اللاجئين في اليونان خارج عن السيطرة في ظل جائحة كورونا. فمخيمات المهاجرين في موريا على جزيرة ليسبوس اليونانية، المخصصة في الأصل لإيواء ما يصل إلى 3 آلاف مهاجر ولاجئ، باتت مكتظة وتضم مهاجرين بأعداد أكبر من استطاعتها قد تصل إلى خمسة إلى ستة أضعاف سعتها.
تحاول الحكومة اليونانية المساعدة في تخفيف وطأة الوضع عن طريق نقل المهاجرين إلى البر الرئيسي لليونان. لكن الأعداد الكبيرة تبقى على حالها. بل وحتى تزداد مع وصول وافدين جدد من تركيا إلى الجزر اليونانية، الأمر الذي يثبت أنه من المستحيل على الحكومة اليونانية التعامل مع هذا الوضع.
في غضون ذلك، ترفض تركيا المجاورة استعادة أي طالب لجوء تم رفضه من اليونان، بحسب اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016.
"على أوروبا أن تتحمل المسؤولية"
زار أرمين لاشيت، رئيس وزراء ولاية شمال الراين ويستفاليا، عدد من المخيمات اليونانية. لاشيت، الذي يرشح نفسه أيضاَ ليصبح خليفة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل كزعيم للحزب ومرشح للمستشارة في الانتخابات الألمانية العام المقبل، قال بعد زيارته إن "على أوروبا تحمل المسؤولية أيضاً".
لكن لاشيت أكد على عدم رغبته في انتظار استجابة منسقة لأوروبا تجاه الوضع المتأزم. لذا عرض استقبال أشخاص من المخيمات اليونانية. لاشيت أكد أنه يرغب بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية، بخصوص استقبال الأشخاص الذين يرغب باستقبالهم و الأولوية ستكون للأشخاص الأكثر عرضة للخطر.
أرمين لاشيت رئيس وزراء ولاية شمال الراين ويستفاليا، في مخيم اللاجئين كارا تيبي في جزيرة ليسبوس. في خطوة لمساعدة اللاجئين. الصورة : د ب أ
صراع زيهوفر
في غضون ذلك، طرحت ولايات أخرى في ألمانيا فكرة إطلاق برامج استقبال لاجئين خاصة بها، استجابة للوضع المتأزم في الجزر اليونانية. وقد تطوعت ولاية تورينغن، وولاية برلين لاستقبال ما لا يقل عن بضع مئات من المهاجرين - الأمر الذي أثار استياء وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، الذي يعتقد أن شؤون الهجرة يجب أن تدار كجهود منسقة في جميع أنحاء البلاد.
وحتى الآن، نجح زيهوفر في إحباط خطط تورينغن وبرلين، وذلك بشكل أساسي من خلال القول بأن الاستجابة المنسقة على مستوى الاتحاد الأوروبي فقط يمكن أن تبدأ في معالجة المشكلة.
إذا قال: "لا توجد دولة في العالم قادرة على التغلب على مشكلة اللاجئين لوحدها. وأضاف "الأهم من ذلك هو أن ندفع سياسة اللجوء الأوروبية إلى الأمام، فنحن نسير على طريق صحيح ولست مستعداً لتعريضه للمخاطر".
هورست زيهوفر
رسائل مختلطة؟
يسعى زيهوفر إلى توحيد الأساس القانوني لاستقبال اللاجئين والمهاجرين في جميع أنحاء ألمانيا. في السابق، كانت هناك برامج على المستوى الاتحادي وعلى مستوى الولاية تستند جزئياً إلى أطر قانونية مختلفة لمجموعات المهاجرين نفسها. نتج عن ذلك تناقضات عدة، مثل تباين المعايير في جميع أنحاء ألمانيا فيما يتعلق بمدة تصاريح الإقامة أو الحق في لم شمل الأسرة أو الخدمات الصحية.
ووجدت دراسات مختلفة لاحقاً أن المهاجرين الذين قدموا إلى البلاد من خلال برامج الاستقبال على مستوى الولاية كانوا عموماَ أسوأ حالاً من أولئك الذين تحملت الحكومة الاتحادية مسؤوليتها. ومع ذلك، استندت هذه الملاحظات إلى البرامج التي تم تشغيلها في عامي 2015 و 2016 في ذروة ما يسمى بـ "أزمة اللاجئين"، التي سبقت تولي زيهوفر منصب وزير الداخلية.
تشارك ألمانيا حالياً في اتفاقية الاتحاد الأوروبي لاستقبال حوالي 1600 قاصر غير مصحوبين بذويهم وأقاربهم من الجزر اليونانية. ووصلت المجموعات الأولى من القصر في أبريل / نيسان ويوليو/ تموز. إذ تخطط ألمانيا لاستقبال حوالي 920 مهاجر، حيث يتم التنسيق من قبل الحكومة الاتحادية التي توزع المهاجرين بين الولايات.
قال زيهوفر إنه يريد تجنب الجهود الفردية التي تبذلها الولايات. ومن جهة أخرى، يذكر أن زيهوفر قد قدم بعض الاستثناءات، حيث أعطى الضوء الأخضر لمبادرات لجلب اللاجئين الإيزيديين من العراق، الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد من قبل ما يسمى "الدولة الإسلامية" التي تعرف بداعش. كما ساعد السوريين المتضررين بشكل خاص من الحرب القائمة في سوريا في تلقي الدعم من مختلف الولايات الألمانية، بما في ذلك التعجيل بطلبات اللجوء الخاصة بهم. وكان يتم ذلك بالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويرى منتقدو زيهوفر أن الاختلاف بين مواقفه السابقة والحالية من شأنه أن يسبب ارتباكاً مع الولايات الألمانية التي تريد أن تكون أكثر انخراطاً في دعم المهاجرين.
حل على مستوى الاتحاد الأوروبي
كما أعرب وزير الداخلية زيهوفر عن قلقه من أن الجهود الفردية التي تبذلها الولايات الألمانية، قد تقود إلى نتائج عكسية في تحقيق جبهة موحدة في سياسات اللجوء على مستوى الاتحاد الأوروبي. وحذر زيهوفر من أن ألمانيا، التي اضطلعت بدور قيادي في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي منذ وصول أكثر من مليون مهاجر ولاجئ في عامي 2015 و 2016، يجب أن تقدم على الأقل رسالة متماسكة كدولة.
ومع تولي ألمانيا الآن مسؤولية رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، حددت الحكومة الفيدرالية هدفاً يتمثل في إفساح المجال أمام إصلاح سياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي وتوحيدها- على الرغم من المعارضة الشديدة لذلك من بعض دول الاتحاد الأوروبي. يبدو أن دول أوروبا الشرقية تعارض بشكل خاص فكرة قبول إعادة توزيع موحدة للمهاجرين عبر دول الاتحاد الأوروبي، بينما تظل دول البحر الأبيض المتوسط مثل إيطاليا واليونان ومالطا، التي اضطرت لتحمل وطأة الهجرة غير الشرعية، مؤيدة لإيجاد مثل هذا الحل الموحد.