وسط ارتفاع أعداد المهاجرين الوافدين إلى جزر الكناري الإسبانية، تكافح السلطات لتوفير احتياجات أكثر من 2000 قاصر غير مصحوبين بذويهم في الأرخبيل. مهاجر نيوز حاول الإجابة على تساؤلات تخص صحة هؤلاء الأطفال، وماذا يحدث عندما يبلغون 18 عامًا، عبر حوار مع مسؤولة من منظمة "أنقذوا الأطفال".
بلغ عدد المهاجرين الوافدين إلى جزر الكناري الإسبانية (غران كناريا وتينيريفي وفويرتيفنتورا ولانزاروت) خلال عام 2020 حوالي 22 ألف شخص من المغرب ودول غرب إفريقيا مثل السنغال، أي ثمانية أضعاف ما وصل من المهاجرين إلى تلك الجزر عام 2019.
الغالبية العظمى من الوافدين من الشباب، إلا أن أكثر من 2000 قاصر غير مصحوبين بذويهم وصلوا أيضًا إلى الأرخبيل هذا العام، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 10 سنوات. وكانت منظمة "أنقذوا الأطفال/ Save the Children" من بين المنظمات غير الحكومية التي أعربت عن قلقها بشأن وضع القاصرين غير المصحوبين بذويهم. إذ حذرت المنظمة من تدهور الصحة البدنية والعقلية للأطفال المهاجرين و"ظروف الاكتظاظ" التي يقيمون فيها.
في حوار لمهاجر نيوز مع جينيفر زوبيرولي، المستشارة بمنظمة "أنقذوا الأطفال" في إسبانيا، تحدثت عن رحلتها الأخيرة إلى جزر الكناري، والتي زارت خلالها منشأتين لإيواء الأطفال غير المصحوبين بذويهم.
ولخصت وضع هؤلاء القاصرين بالقول إنه "في عام 2019، لم يكن هناك حتى 400 قاصر غير مصحوبين بذويهم يقيمون تحت نظام حماية في الجزر. منذ بداية عام 2020، ارتفع عددهم إلى ما يقدر بنحو 2500 طفل". مؤكدة أن "نظام حماية القاصرين في منطقة صغيرة مثل جزر الكناري لا يساعد على التعامل مع مثل هذه الزيادة السريعة في عدد الوافدين".
واعتبرت المتحدثة أنه "بدون دعم إضافي، لا يمكن لسلطات جزر الكناري استقبال وتقديم مساعدة كافية لهؤلاء الأطفال لأنها لا تملك الموارد أو المراكز التي تحتاجها لاستقبالهم. كل ما في وسعها في هذه المرحلة هو فتح المراكز وتوفير المأوى للأطفال وتقديم الطعام لهم. لكن الطفل يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير".
وتحدثت جينيفر زوبيرولي عن نظام الحماية الذي مكن من فتح 22 مكانا للطوارئ بمساعدة المنظمات غير الحكومية لاستضافة الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم. مؤكدة أن نوع الإقامة وجودتها يختلف، لكنهم جميعا يكافحون للعثور على مترجمين فوريين لجميع اللغات التي يتحدثها الأطفال، ويحاولون توفير فرص تعليم لهم، وتنظيم أنشطة ترفيهية.كما أشارت المستشارة الحقوقية، إلى استضافة أحد المركزين اللذين سُمح للمنظمة بزيارتهما، حوالي 40 قاصرا، والآخر حوالي 50 قاصرا. "أحدهما كان مدرسة قديمة والآخر مبنى كبير فيه العديد من الغرف. كانت المراكز تستوعب الأطفال الأصغر سنا لأنها تحاول فصلهم عن الأكبر سنا لتجنب المشاكل. وكان هناك أيضا بعض الفتيات لكن عددهم كان أقل".
وذكرت جينيفر زوبيرولي أن "كل أربعة أطفال يتشاركون غرفة، يتشاركون حماما ويتوفرون على جهاز تلفزيون في غرفتهم. لديهم أيضا مساحات مخصصة للرسم ويوفر لهم المركز متخصصين يعتنون بهم. عادة ما يكونون أخصائيين اجتماعيين يقدمون لهم الدعم النفسي، لكن في المقابل لاحظت المتحدثة قلة المترجمين.
وفي وصفها للصحة البدنية والعقلية للقصر غير المصحوبين بذويهم، أكدت زوبيرولي أن "العديد من الأطفال يعانون من أجل التمكن من النوم، إذ يعاني كثيرون من الكوابيس ويظهرون سلوكا قهريا كوسيلة لإظهار معاناتهم". وأوضحت المتحدثة أن اختلاف جنسياتهم، على سبيل المثال، تؤثر على مدة مسار الهجرة، فبعض الأطفال يسافرون بمفردهم عبر إفريقيا لأسابيع أو حتى شهور. وتعتمد درجة ونوع معاناتهم أيضا على ما يفرون منه: الهجمات الإرهابية في وطنهم مثلا؟ أم فروا لأن احتياجاتهم الأساسية مثل الطعام لم يتم تلبيتها؟
وتحدثت المستشارة الحقوقية، عن أن "الأطفال الذين عبروا المحيط الأطلسي كانوا في حالة صدمة بعد وصولهم إلى جزر الكناري، فقد ظل بعضهم على متن قارب لأكثر من 10 أيام دون طعام وماء. ورأى آخرون الناس يموتون من حولهم والجثث تُلقى في الماء. من المؤلم للغاية أن يختبر الطفل هذه الأشياء".
على المستوى الجسدي، أكدت زوبيرولي أنها لم تسمع "عن أي مشاكل خطيرة، عادةً ما تحدث إصابات مثل الحروق الناتجة عن مزيج الماء المالح والبنزين وبراز للمهاجرين البالغين، كما قد يؤدي فقدان الوزن الناتج عن الجفاف في مثل هذه السن المبكرة إلى مشاكل في النمو. بعض الأطفال الذين نراهم في المراكز نحيفون للغاية ولا يتمتعون بالحيوية للمشاركة في العديد من الأنشطة".
وعن أعمار هؤلاء الأطفال، أكدت المتحدثة أن "من بين الأطفال الذين وصلوا بمفردهم على متن قوارب من لم يبلغوا حتى 10 سنوات. أصغر من وصل بمفرده كان عمره تسع سنوات فقط. كما وصل بعض الأطفال حديثي الولادة والرضع والأطفال الصغار، لكن كل هؤلاء كانوا برفقة أمهاتهم".

وذكرت جينيفر زوبيرولي أنه "في إسبانيا، لا يمكن إعادة الأطفال قسراً إلى بلدانهم، فهم محميون بموجب أنظمة حماية القاصرين حتى بلوغهم سن الرشد. بمجرد بلوغهم 18 عاما، يمكنهم الحصول على تصاريح للبقاء في إسبانيا بطريقة قانونية. لكن المشكلة تكمن في أن تجديد تصريحهم بالبقاء يتطلب الحصول على وظيفة أو دعم مؤسسة، لكن المشكلة تكمن في أن ما يقرب من نصف الأطفال الخاضعين للنظام في جزر الكناري يبلغون من العمر 16 عاما أو أكثر، لذا سيصل الكثير منهم إلى سن الرشد في عام واحد أو أقل".
إذا لم تستطع المؤسسات والمنظمات التي تستضيفهم التعامل مع الإجراءات لتسوية أوضاعهم، فإن هؤلاء الأطفال سيبلغون 18 عاما ويعتبرون مهاجرين غير شرعيين بالغين. في هذه الحالة، يمكن إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، ما لم يتقدموا بطلب للجوء وهو تحد كبير آخر. "الأطفال غير قادرين على التقدم بطلب للجوء في الوقت الحالي لأن السياسة الحالية تركز على إدارة الطوارئ، وليس احتياجات الأطفال"، تقول جينيفر زوبيرولي.
وشددت على أنه "في كل مرة نواجه زيادة في عدد الوافدين عن طريق البحر إلى إسبانيا، نرى فقط رد فعل ارتجالي. لا توجد خطة للاستجابة لحالات الاكتظاظ. لا توجد خطة حكومية للاستجابة للوافدين عبر البحر، هذه هي المشكلة الرئيسية". وأضافت زوبيرولي أنه "نظرا لأن أنظمة حماية القاصرين في إسبانيا تقع ضمن اختصاص الولايات، فهناك 19 نموذجا مختلفا لاستقبال وحماية القاصرين غير المصحوبين بذويهم. لذلك نطالب بالتضامن وبآلية توزيع لتقاسم الموارد والأشخاص بين المناطق. نحن نتحدث عن 2500 طفل في جزر الكناري، إنه رقم منخفض للغاية بالنسبة لدولة مثل إسبانيا يبلغ عدد سكانها 47 مليون نسمة".
واعتبرت المستشارة الحقوقية بشأن الهجرة بمنظمة "أنقذوا الأطفال" جينيفر زوبيرولي أنه "لا يوجد أي مبرر لإيواء الأطفال في الخيام في جزر الكناري، بينما لا تستقبل المناطق الأخرى أيا منهم. لدينا الوسائل والموارد لتوفير الاستقبال المناسب، والذي يشمل التعليم والدعم النفسي وكذلك الترجمة. من أجل الاستفادة من هذه الوسائل، نحتاج إلى نهج فيدرالي للهجرة في إسبانيا، وأيضا على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث نرى نفس القيود. واختتمت زوبيرولي حديثها مع مهاجر نيوز بالقول "لا يمكننا أن نجعل جزرا أو أقاليم صغيرة مثل سبتة ومليلية أو جزر الكناري أسوارا تمنع تدفقات الهجرة. يتعين علينا إدارة الهجرة وعدم التفكير في إيقافها في مناطق معينة".
بنيامين باتكه / ماجدة بوعزة