عقد مضى على بداية الأزمة في سوريا، تظاهرات واجهها قمع ومن ثم حرب تسببت في مقتل مئات الآلاف وهجرة الملايين. كيف يرى سوريون في المهجر حياتهم قبل الحرب وبعدها؟ وهل يفكرون في العودة إلى الوطن؟
"حاليا لا أفكر في العودة إلى سوريا لأنها تفتقد للكرامة والأمان"، هكذا تتحدث عزة، سيدة سورية غادرت وطنها مجبرة بسبب ظروف الحرب وقلة الأمان منذ 2013، لتتنقل هي وزوجها وأطفالها من مكان لآخر إلى أن وصلوا سنة 2016 إلى ألمانيا.
سوريا في نظرها تحتاج لعشرات السنين لتصبح وطناً من جديد، ولا تفكر الصيدلانية التي بدأت برسم ملامح مستقبل جديد رفقة أسرتها بمغادرة ألمانيا لمكان آخر لأنها تسعى لتطوير حياتها هنا رغم العراقيل. تقول "لم نحقق بعد ما نتمناه، والسبب كثرة الإجراءات التي حدت من طموحنا وتقف عقبة أمام تحقيق أهدافنا، لم نستطع الحصول بعد على عمل في تخصصنا أنا وزوجي". تشتكي المتحدثة من البيروقراطية وكثرة المعاملات الإدارية بِلُغَةٍ "قدمنا لا نفقه فيها شيئاً" مما يصعب الأمور كثيرا.

وتضيف المتحدثة قائلة "أنا صيدلانية وزوجي طبيب، خرجنا من بلد فيها حرب ولا نتوفر على كل المستندات التي تثبث خبراتنا ولم نتمكن من الحصول عليها بسبب الأوضاع في سوريا"،وهو ما يكلفهما حالياً ضياع سنوات من حياتهما دون عمل، وأيضا عدم استفادة البلد الذي استقبلهما من إمكانياتنا المهنية، خاصة أن المانيا بحاجة كبيرة إلى متخصيين في هذا المجال.
وفي حديثها عن حياتها السابقة في سوريا قبل الحرب تحكي عزة أنها "كانت حياة ممتازة، كنت قد افتتحت صيدليتي الخاصة وأعيش في منزل جميل في حي راقي وأعيش في مجتمعي الآمن". أما اليوم فترى المتحدثة نفسها في مجتمع غريب يتحدث لغة جديدة، وتختلف عاداته على ما نشأت عليه تماما، وتعطي مثالا عن ذلك بالقول "كان الجار في سوريا جزءاً من العائلة، لكن هنا أحياناً الجار لا يرد السلام حتى". وأبرزت المتحدثة أن "الحنين والحب لسوريا لا يموت، لكننا نحاول التأقلم أكثر مع الوطن الجديد وأن نستقر فيه".
"نتطلع للاستقرار من أجل طفلنا القادم"
مرام وعلي، زوجان سوريان شابان، اضطرا لمغادرة سوريا بسبب الأوضاع الخطيرة سنة 2013، توجها نحو لبنان في البداية ليظلا قريبين من الأهل، لكن الأوضاع السيئة في لبنان والتضييق على اللاجئين هناك اضطرهما للمغادرة نحو تركيا ومنها إلى اليونان بحثاً عن الأمان والأستقرار.
تقول مرام "كنا نعتقد أننا سنعود بعد فترة قصيرة لكن مرت سنوات ومازلنا نعيش الحرمان من الوطن والأهل"، واليوم بالنسبة لهما صارت العودة إلى سوريا مستحيلة، إذ تقول المتحدثة " زوجي مطلوب بسبب الخدمة الإلزامية بالجيش النظامي، يعني طالما النظام الحالي قائم العودة إلى سوريا مستحيلة".

من جهته، يرى زوجها علي أن ما يعيشانه اليوم بعيد كل البعد عن ما يتمناه وزوجته الحامل، التي فقدت سابقا جنينا بسبب سوء الأوضاع التي عاشاها في جزيرة خيوس اليونانية بمخيم فيال، وبعد مرور سنة ونصف على تواجدهما في اليونان، لا يعلمان بعد إن كان لجوؤهما قد قبل أم رفض وسيضطران للعودة إلى تركيا.
"لازلنا عاطلين على العمل ولم تتسنى لنا فرصة لتعلم اللغة أو الاندماج، تم نقلنا مؤخرا من الجزيرة بسبب وضعي الصحي وخوفاً على جنيني، ونتطلع للوصول إلى ألمانيا حيث يتواجد أهلنا لنتخلص من الوحدة التي نعيشها ونتمكن من التعلم والعمل" هذا ما يتمناه الزوج الشاب لضمان مستقبل أفضل لطفله القادم. مشيرا إلى أنه وزوجته يقومان لأكثر من سنة بتعلم اللغة الألمانية بمجهود فردي، مستعينين في ذلك بمجلات المحلات الألمانية لتدوين الكلمات وحفظها.
يتحدثان عن الفرق بين حياتهما بين اليوم وما قبل الحرب السورية، يقولان أن كل ما يفتقدانه هو الأمان والاستقرار، "لكن على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فالحياة هنا صعبة على اللاجئين كما في سوريا، ليست هناك فرص عمل أو تعليم أو اندماج بالمجتمع اليوناني، ولا مستقبل واضح لطفلنا القادم".
"لاعودة لوطن صار مساحة لتجارب التقتيل"
لؤي، أب سوري لأربعة أطفال، غادر سوريا برفقتهم سنة 2014 وتوجهوا نحو لبنان، لتساعدهم الأمم المتحدة في الوصول لألمانيا سنة 2015. استطاع لؤي الحصول على عمل في مجال إصلاح السيارات الذي امتهنه في بلده قبل الحرب، متجاوزاً صعوبات كثيرة حالت دون تحقيق الكثير بسرعة، من بينها حاجز اللغة والبيروقراطية.

"العودة إلى سوريا غير مطروحة أبدا بعد مرور 10 سنوات على الحرب، فسوريا عادت أكثر من قرن إلى الوراء. الخدمات الأساسية كالتعليم والتطبيب صارت صعبة أو مستحيلة، والأمان منعدم لهذا لا يمكننا العودة". هكذا يلخص لؤي رأيه في العودة لوطنه الذي دمر فيه الحجر والبشر، ولم تتحقق العدالة طيلة 10 سنوات من التقتيل، الذي تساهم فيه حسبه "قوات دولية جعلت البلد مساحة لتجارب أسلحتها الجديدة".
الحياة في ألمانيا ليست بكل الكمال الذي يتخيله من يسعى للوصول إليها، إذ يشتكي لؤي، مثل غيره من اللاجئين والمهاجرين صعابا كثيرة، منها: انعدام الحياة الاجتماعية وافتقاد العائلة والدفئ، وما يثقل كاهلنا أكثر هو البيروقراطية واللغة الصعبة وكثرة الوثائق والتعاملات الإدارية. أما كورونا فقد زادت الطين بلة"، لكن في المقابل حصل لؤي وأبناؤه هنا على الأمان. يؤكد اللاجئ السوري أن قلبه ظل معلقاً مع سوريا، لكن "نفسيا لا أتحمل العودة، ففترة الحرب تركت فينا جراحاً غائرة لن يمحيها الزمان".
اللجوء في لبنان.. "موت آخر"
آلاف الشباب السوريين اضطروا إلى التخلي عن كل شيء، لمرافقة كبار السن ممن لم يتحملوا القصف والاعتداءات خلال اشتداد الأزمة، ولم يعلموا أن العودة ستصير مستحيلة بعد تدمير كل ما كانوا يملكونه في سوريا.
"حرقت ضيعتنا بما فيها، ودمر المنزل كلياً، وهربنا نحو لبنان في انتظار أن يلتحق باقي أفراد العائلة"، يحكي المهندس البالغ من العمر 25 سنة، بمرارة ورؤية سوداوية مؤكدا أن المعاناة لم تقف عند هذا، بل واجه صدمة عندما اكتشف أن حياة اللاجئين السوريين في لبنان تشبه "موتاً من نوع ثاني".

يعيش نور اليوم في لبنان برفقة تسعة من أفراد أسرته، بينهم عم مشلول وثلاثة من كبار السن، ويرى الحل في إعادة التوطين، لأنه لم يستطع الحصول على عمل هناك، يمكنه من تحمل مسؤولية العائلة، وتعيش الأسرة بالاعتماد على المساعدات الدولية الهزيلة. يقول "وجهة ثالثة تتوفر فيها مقومات العيش الإنسانية ليس أكثر هو كل ما نريده، مستعد للعمل وتعلم لغة جديدة وأياً كان ما يتطلبه الأمر لإنقاذ مستقبل إخوتي الصغار، وحفظ كرامة كبار العائلة".
حياته في سوريا قبل الأزمة كانت مستقرة ومستقبله المهني مضموناً، أما اليوم "فكل شيء ينقصني، من الأكل والشرب والمسكن اللائق، إلى العمل والأمان والكرامة"، هكذا يلخص اللاجئ الشاب وضعيته وأهله، معتبراً أن البقائي في لبنان لا يساعد في شيء بل يدمر ما تبقى فيه من جهد، ومبتغاه بلد آخر يقدم له طريق حياة جديدة.
ماجدة بوعزة