رحلة الهروب من الحرب واللجوء لبلد آخر  صعبة وتبعاتها النفسية قاسية للغاية
رحلة الهروب من الحرب واللجوء لبلد آخر صعبة وتبعاتها النفسية قاسية للغاية

وجد كثير من السوريين ملاذا آمنا في ألمانيا وبدأوا حياة جديدة، بعد هروبهم من ويلات الحرب في بلدهم. لكن صدمة ما عاشوه خلال الحرب وما مروا به خلال رحلة اللجوء، قد تكون له تبعات نفسية قاسية عليهم، حسب ما تراه أخصائية نفسية تحدثت لمهاجر نيوز عن تجربتها في معالجة ومساعدة اللاجئين.

منذ اندلاع الصراع في سوريا، نزح عدة ملايين من السوريين إلى خارج البلاد ولجأ مئات الآلاف منهم إلى أوروبا، ووجد عدد كبير منهم ملاذًا في ألمانيا. ورغم الصعوبات الهائلة، تمكن كثيرون منهم من تعلم اللغة والاستقرار خلال بضع سنوات فقط.

لكن الوصول إلى بلد جديد مثل ألمانيا ليس نهاية المشوار ولا المشاكل النفسية بالنسبة لغالبية اللاجئين السوريين. فكثيرون منهم يعانون من مشاكل صحية نفسية نتيجة الصدمات والذكريات الأليمة التي لا تزال تطاردهم.

ماريا بروشازكوفا، أخصائية نفسية مقيمة في برلين ومتخصصة في معالجة الناجين من التعذيب والحرب، تحدثت مع مهاجر نيوز حول عملها على مساعدة اللاجئين في رحلة التعافي النفسي.

وأشارت بروشازكوفا في حوارها مع مهاجر نيوز إلى عدة أسباب للمشاكل النفسية التي يعاني منها لاجئون سوريون في ألمانيا، مؤكدة أن الضغوط لا تنتهي بمجرد وصول اللاجئين إلى ألمانيا. واعتبرت المتحدثة أن الافتقار إلى الخصوصية في المكان الذي يعيشون فيه بعد وصولهم (المخيمات)، إضافة إلى المعاملات البيروقراطية تمثل عقبات رئيسية.

وأوضحت أن "تعلم اللغة لدى بعضهم يكون بطيئًا، بسبب صعوبة التركيز، مما يجعل الاندماج أكثر صعوبة ويؤثر على تقديرمهم لذاتهم". كما شددت على أن "الهدوء المفاجئ في حياتهم بعد هروبهم من سوريا، يؤدي إلى تدفق سيل من الذكريات المروعة إلى ذهنهم".

وتبقى معاناة السوريين الهاربين من الحرب شديدة للغاية، كما يمكن، حسب بروشازكوفا، أن تكون تجارب العنصرية في الحياة اليومية في البلد المستقبل سبباً لضغط من نوع آخر.

تجربة الحرب وويلاتها تلاحق السوريين حتى في بلد اللجوء حيث الآمان والاستقرار وتسبب لهم مشاكل نفسية
تجربة الحرب وويلاتها تلاحق السوريين حتى في بلد اللجوء حيث الآمان والاستقرار وتسبب لهم مشاكل نفسية


استمرار المعاناة بعد اللجوء

وأوضحت الأخصائية النفسية أن للانفصال عن الأسرة والأحباء واستمرار متابعة أخبار الصراع في سوريا ومشاهد الدمار، آثار نفسية مختلفة، وتقول إن "الأسرة تمثل دعماً نفسيا للفرد، إنه المكان الذي يتم فيه مشاركة الهموم والمسؤوليات". فتواجد شخص قادم من سوريا هنا لوحده أو حتى مع بعض أفراد أسرته، لا يريح باله من التفكير بأمن الأهل في البلد الأصلي المتضرر من الحرب، وهو ما يمكن أن يجعل تقدم اللاجئ في ألمانيا صعباً. وأشارت المتحدثة إلى أن القلق والتوتر والشعور بالذنب والعجز أو الحزن هي ردود أفعال مفهومة جدا في هذا الموقف.

ضمن الأسرة الواحدة، لا يمكن تحديد الأكثر تضرراً بين أفرادها، إذ يواجهون جميعا خلال رحلة اللجوء إجهاداً كبيراً. غالبا ما يتعلم الأطفال اللغة الجديدة بسرعة أكبر من البالغين، ويقومون ببعض الأدوار التي يقوم بها الكبار ويحرمون من طفولتهم. أما الوالدان، فغالباً ما يعانون من الإحساس بالذنب والعار، فالرجال يشعرون بدونية بسبب عدم قدرتهم على العمل. أما الأمهات، فتفتقدن شبكة المساعدة المعتادة، لذا فإن العناية بالأطفال لا تترك أي مجال لتطورهن الشخصي.

ويحاول اللاجئون التغلب على مشاكلهم النفسية عبر استراتيجيات المواجهة "الوظيفية" و"المعطلة"، حسب الخبيرة النفسية، لكنها في المجمل تبقى غير فعالة ولها آثار سلبية على المدى الطويل. فتعامل الناس مع مشاكلهم النفسية بأنفسهم، يبقيهم قادرين على الاعتناء بأنفسهم وأحبائهم، يدرسون ويعملون ويتابعون اهتمامات مختلفة. لكن الآثار الجانبية لذلك تظهر مثلا بعدم الثقة بالآخرين، مما يؤدي إلى العزلة والشعور بالوحدة في المجتمع الجديد.

طلب المساعدة

قرار طلب العلاج النفسي اعتبرته الخبيرة النفسية علامة على الرعاية الذاتية الصحية، إذ يعد الخضوع للعلاج النفسي قرارا مهما للغاية، حسب رأيها. فالشعور باليأس، أو الافتقار إلى احترام الذات أو قلة الدافع والاكتئاب، يمنع الناس من طلب المساعدة. كما ذكرت المتحدثة، أن هناك عقبات أيضا في البحث عن مواعيد العلاج النفسي المتاحة والتي نادرا ما تكون متوفرة باللغة المناسبة وفي الوقت المناسب

ويمكن التعامل مع المشكلات النفسية والاجتماعية بسهولة إذا كانت قصيرة الأجل، وإذا كان نظام الدعم مناسبا وكان لدى الناس موارد أكثر ومشكلات أقل. كما يمكن للعكس أن يطلق العنان لـدوامة اكتئاب تسبب للمصاب بها اضطرابا في النوم، مما يجعل الناس مرهقين وضعفاء خلال النهار، وهذا يؤدي إلى الانكفاء على الذات والشعور بالخجل وعدم القيام بأي شيء.

وعندما ينكفئ المرء ولا يكون لديه اتصال بأشخاص آخرين، يصبح لديه وقت للقلق واجترار الذكريات والشعور بالوحدة، والتفكير في أن الآخرين لا يحبونه أو لا يحتاجون إليه. وبالتالي يصبح كل شيء مرهقا لدرجة أنه لا يجرؤ أو لا يمتلك القوة للتعامل مع أبسط الأشياء، أوالعودة إلى المسار الصحيح والخروج من دوامة الاكتئاب، الذي يعتبر عاملا سيئًا للغاية أثناء محاولة القيام ببداية جديدة وكسب القبول في المجتمع الجديد. فبسببه، يشعر الناس بالوحدة والانفصال عن بيئتهم الاجتماعية.

ماريون ماكغريغور/ ترجمة: ماجدة بوعزة

 

للمزيد