برزت تونس مؤخرا كنقطة انطلاق لقوارب المهاجرين باتجاه أوروبا، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، والتي أدت إلى ارتفاع كبير بأعداد العاطلين عن العمل. المهاجرين في تونس، ومعظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، يتحينون الفرصة للهرب من هناك بسبب الضائقة الاقتصادية، فضلا عن الظروف المعيشية السيئة التي يضطرون لتحملها. المهاجرون يشتكون من المعاملة العنصرية التي يتلقونها في تونس، ما يجعلهم أكثر تصميما على المغادرة.
أمين، مهاجر تشادي قصد تونس قبل بضعة سنوات أملا في الحصول على فرصة لركوب أحد الزوارق المتجهة إلى السواحل الأوروبية.
أمضى أمين نحو خمس سنوات في تونس، تمكن خلالها من تجربة حظه مرة واحدة، حيث استطاع أن يتدبر مكانا على أحد القوارب المتجهة إلى إيطاليا، لكن الحظ لم يحالفه حينها، فقد غرق القارب بعد انطلاقه ببضع ساعات من سواحل صفاقس.
يستذكر أمين تلك اللحظات بصعوبة بالغة، فالتجربة كانت قاسية بالنسبة له وتركت في نفسه رعبا دائما من البحر. "وقعت الحادثة بداية 2019. كنا حوالي 20 شخصا على متن القارب. لحظة انقلابه كانت مرعبة، مر أمامي شريط حياتي ممزوجا بصرخات استغاثة النساء والرجال. معظمنا لم يكن يعرف السباحة. ما زالت صورة أحدهم تراودني في مناماتي وهو يغرق، عيناه كانتا فارغتان وهو ينظر إلي، كان يعلم أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة وما من مهرب من القدر المحسوم".
سوء المعاملة والعنصرية
صدمة أمين مركبة، فهي لم تنتج فقط من حادث غرق المركب، بل مما لحقها أيضا، "أنقدنا زورق تابع لخف السواحل، سلمونا للشرطة الذين قاموا باحتجازنا في أحد المراكز في العاصمة. أمضيت هناك بضعة أشهر أعاني من تنمر القيمين على المركز ومعاملتهم السيئة".
بعد خروجه من مركز الاحتجاز، حاول المهاجر التشادي، الذي يتقن التحدث باللهجة التونسية بطلاقة، العثور على عمل، "معظم الفرص التي كنت أجدها كانت أعمالا يدوية يومية تحتاج لجهد جسدي شاق. لم يكن لدي أي مانع من العمل في أي شيء لأتدبر شؤوني اليومية، لكن ما لم أكن أتحمله هو العنصرية الحادة التي كنت أواجهها".
يوميات المهاجرين من ذوي البشرة السوداء ليست سهلة بتاتا في تونس، "غالبا ما يطلقون علينا ألقابا بشعة، وأحيانا قد نتعرض للتحرش الجسدي. ‘كحلوش‘ كلمة أسمعها بشكل متكرر حتى باتت جزءا طبيعيا من يومياتي. إذا صودف وتدبرت عملا في أحد المحلات، يقوم صاحب المحل بنهري وزجري ومنعي من التحدث مع الزبائن، حتى أنهم بمعظمهم لا يأكلون شيئا إذا كنت قد لمسته بالصدفة".
ويتابع "كلما خرجت من المنزل يتملكني الخوف إلى أن أعود. أنا مقيم بشكل غير شرعي هنا، فالحصول على أوراق مهمة شبه مستحيلة في تونس. وإن صودف وتم توقيفي من قبل الشرطة، سيأخذوني إلى المديرية حيث سأتعرض لوابل من الإهانات قبل أن يعودوا ويطلقوا سراحي بسند إقامة".
ويختم أمين "لو كان باليد حيلة لغادرت هذه البلاد فورا، لكني لا أستطيع العودة إلى تشاد، وليس بإمكاني الهجرة. أنا عالق هنا".
"غياب الإطار القانوني والثقافي"
ما سبق قصة واحدة من آلاف قصص المهاجرين القادمين من دول أفريقية في تونس، يشكون عدم وجود أي سبيل لهم لتحقيق حياة كريمة هناك. فضلا عن ذلك، يعتبرون من أكثر الفئات تضررا من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ما يجعل الهجرة حلا وحيدا بالنسبة لهم. الأمر الذي يجد التونسيون أنفسهم مضطرين لاعتماده أيضا.
وحسب إحصاءات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 53% من المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا خلال الأشهر الأولى من العام الجاري من تونس هم من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
للمزيد<<< ارتفاع عدد المهاجرين التونسيين الوافدين إلى إيطاليا في 2020 إلى خمسة أضعاف
وشهدت السواحل التونسية ارتفاعا غير مسبوق بأعداد المهاجرين المنطلقين من سواحلها باتجاه أوروبا مؤخرا، كما تم تسجيل وقوع أحداث غرق مأساوية قبالتها، غالبا ما يكون ضحاياها من المهاجرين غير التونسيين.
عمر الطالبي، رئيس المنتدى التونسي، أكد أن ازدياد محاولات الهجرة بين الأجانب الذين يعملون في تونس سببه "غياب الإطار القانوني والثقافي لضمان اندماجهم".
واعتبر الطالبي أن "الاتفاقات بين إيطاليا وميليشيات ليبية أدت إلى منع الكثير من القوارب من الانطلاق باتجاه أوروبا"، فتحولت تونس، خلال السنتين الماضيتين، إلى نقطة انطلاق بديلة لهؤلاء المهاجرين.