بهدف منع إنشاء نقاط ثابتة للمهاجرين قد تتحول مع الوقت إلى مخيمات، أمرت السلطات المحلية في عدد من مدن شمال فرنسا الشرطة بإجلاء المهاجرين بشكل دائم من المخيمات المؤقتة التي يقيمونها ليضعوا فيها خيامهم وحاجياتهم. ومؤخرا، بدأت الشرطة بالإغارة على تلك المخيمات بشكل غير متوقع، وأكثر من مرة واحدة في اليوم. هذا الأمر وضع المهاجرين أمام خطر مصادرة خيامهم وفقدان ممتلكاتهم.
يوم الجمعة 18 حزيران/يونيو، شهدت مدينة كوكيل القريبة من كاليه شمال فرنسا، أمطارا غزيرة حولت أرض مخيم صغير يختبئ خلف صف من الأشجار إلى برك من الأوحال والطين. خمسة شبان مهاجرين من المقيمين في ذلك المخيم يتحلقون حول نار صغيرة، أشعلوها للحصول على بعض الدفء، يحاولون الحصول على وهجها برشها بين الحين والآخر ببعض الوقود.
في ذلك المخيم القريب من المنطقة الصناعية في كوكيل، 27 سودانيا يصارعون مياه الأمطار ببضعة سترات واقية، هي كل ما يملكونه لمقاومة المياه.
بقدمين حافيتين وغطاء شفاف فوق كتفيه يقيه من المطر، وغطاء أزرق مرمي على الوحل بالقرب من النار، قال علي يوسف أحمد "لا نجرؤ على الاحتفاظ به أو استخدامه كملجأ، نخشى أن يكشف مكاننا للشرطة". وأضاف المهاجر الشاب "تأتي الشرطة أحياناً في منتصف الليل للتحقق من عدم وجود خيام". رفاق له متحلقون حول النار قالوا إن الشرطة استولت على خيامهم قبل ثلاثة أسابيع.

عمليات إخلاء مستمرة
غالبا ما تقوم قوات الأمن في كاليه بتطبيق أوامر المحافظة، لا "نقاط ثابتة" للمهاجرين، فيقومون كل حوالي 48 ساعة بإخلاء المخيمات والتجمعات في المدينة، بطرق يتخللها أعمال عنف. هذا فرض على المهاجرين التعامل بطريقة مختلفة، فباتوا كل صباح يغادرون مواقعهم، ينتظرون على بعد أمتار قليلة مجيء الشرطة وذهابها، ليعودوا ويفترشوا أغراضهم من جديد.
لكن مؤخرا، اعتمدت الشرطة أساليب مغايرة، فباتوا يحضرون في أي وقت من اليوم، وربما مرتين في نفس اليوم. فرانسوا جينوك، رئيس منظمة "أوبيرج دي ميغران" غير الحكومية، قال "هذا يعني أن المهاجرين الذين يغادرون للبحث عن الطعام أو للاستحمام، قد يعودون ويكتشفون أن خيامهم وجميع متعلقاتهم قد تم نقلها".
متطوع في مجموعة "مراقبي حقوق الإنسان" قال لمهاجر نيوز "الهدف هو مفاجأة الناس". ويضيف "إن عمليات الإخلاء تجعلهم ضعفاء للغاية. الناس مرهقون جسديا ونفسيا".

أسلوب الإخلاء هذا يجعل الحياة اليومية للمهاجرين أكثر تعقيدا، وغالبا ما يضطرون للنوم في العراء لعدم قدرتهم على استبدال الخيام التي صادرتها الشرطة. وكانت جمعية "المعونة الجماعية" قد قدمت لهؤلاء المهاجرين ثلاثة آلاف خيمة هذا الشتاء، لكن كان لابد من وقف التوزيع لتجديد المخزون الذي سيتم استخدامه في الشتاء المقبل.
صعوبة الحصول على الماء والطعام
في كوكيل كما في كاليه، أصبح الوصول إلى معظم المناطق أو المساحات المفتوحة الممكن استخدامها كأماكن لنصب الخيام غير متاح. السلطات المحلية باتت تستخدم أساليب معينة لمنع إعادة استخدام تلك الساحات من قبل المهاجرين، كما حصل في نهاية شهر آذار/مارس الماضي حين وضعت السلطات صخورا ضخمة في مرآب أحد مراكز التسوق في كاليه، وفي كانون الثاني/يناير حين تم إنشاء مواقف خاصة للدراجات تحت جسر موليان في وسط مدينة كاليه.
هذا الأمر أجبر المهاجرين على البحث عن ملجأ في الغابات، بعيدا عن الأنظار، الأمر الذي جعل وصولهم إلى نقاط توزيع الطعام والمياه أكثر صعوبة. وفقا لفرانسوا جينوك، فإن عمليات منظمة "لا في أكتيف" غير الحكومية، المكلفة من قبل السلطات للاهتمام بالمهاجرين، لن تصل إلا إلى ثلثهم في المنطقة (حوالي 1500 مهاجر موجودون في كاليه). أما بالنسبة للمهاجرين الأكثر عزلة، هناك حاجة إلى الماء أكثر من غيرهم. وفي هذا الإطار أفاد علي يوسف أحمد أنه ورفاقه عانوا من العطش الشديد خلال موجة الحر التي ضربت المنطقة الأسبوع الماضي.
وللتعويض عن صعوبة وصولهم للماء في كوكيل، قامت منظمة "أوبيرج دي ميغران" بتركيب خزان صغير بالقرب من مخيم المهاجرين السودانيين. وأثناء حديث مهاجرنيوز معهم، كان أحدهم يتنقل ذهابا وإيابا بين المخيم والخزان لملئ عبوات الماء البلاستيكية.
"عندما تصل الشرطة، عليك أن تأخذ خيمتك وتهرب"
يحاول المهاجرون التكيف مع التغيرات التي تعتمدها الشرطة في عمليات إخلائهم من المخيمات. مهاجرون إريتريون في كاليه تمكنوا من الاحتفاظ ببعض الخيام وإنقاذها من المصادرة. أحدهم قال لنا "نحن نثق ببعضنا، إذا حذرنا أحدهم من حدوث إخلاء فإننا نجمع أغراضنا ونغادر".
أحمد السعيدي وأصدقاؤه، مهاجرون أفغان، تمكنوا أيضا من الاحتفاظ بثلاث خيام صغيرة. جاؤوا بعد ظهر يوم السبت لتثبيتها بالقرب من مستشفى كاليه.

تستمتع مجموعة السعيدي بساعات قليلة من الجفاف، ويؤكدون أن عمليات إخلاء أماكن المهاجرين قد تحصل "في الصباح أحيانا وأحيانا بعد الظهر". وبالإضافة إلى فقدان متعلقاتهم الشخصية، يخشى المهاجرون الأفغان الاعتقال، الذي قد يكون له عواقب وخيمة. هذا حال راني، الذي أبدى راحة في التحدث بالألمانية، أكثر من الإنكليزية، كونه كان قد أقام في ألمانيا مدة ست سنوات دون أن يتمكن من الحصول على اللجوء. وقال أحمد السعيدي "إذا عثرت عليه (راني) الشرطة وأعادته إلى ألمانيا، فسيتم ترحيله إلى أفغانستان، وهناك قنابل تنفجر كل يوم".
الحل الوحيد بالنسبة لهؤلاء المهاجرين هو أن يكونوا مستعدين دوما للفرار، على الرغم من الإرهاق الذي ينهك أجسادهم، "عندما تصل الشرطة، خذ خيمتك واركض".