الشاحنة التي اختنق فيها عشرات المهاجرين
الشاحنة التي اختنق فيها عشرات المهاجرين

كانوا يحلمون بالوصول إلى "الفردوس الأوروبي" لكن الموت كان يتربص بهم في شاحنة مغلقة عثرت عليها الشرطة النمساوية واكتشفت عشرات اللاجئين المكدسين فيها وقد اختنقوا. بعد عامين بدأت العدالة تأخذ مجراها وتقتص للضحايا، الذين هزت صور مأساتهم العالم ودفعت أوروبا لفتح أبوابها للاجئين.

بعد مرور عامين على حادثة اختناق 71 لاجئا في شاحنة مغلقة عثرت عليها السلطات النمساوية متروكة قرب إحدى الطرق السريعة، بدأت في هنغاريا محاكمة 11 متهما على خلفية الحادثة، التي كانت إحدى أكثر القضايا المؤلمة في أزمة اللاجئين في أوروبا وهزت الرأي العام. فالعثور على جثث 59 رجلا و8 نساء و4 أطفال مكدسين داخل الشاحنة، أثار استياء الرأي العام في أوروبا ودفع دولها إلى فتح أبوابها للاجئين وتغيير سياستها تجاههم.

كما دفع ذلك بدول على امتداد طريق البلقان التي كان يسلكها المهاجرون والمغلقة حاليا، إلى فتح حدودها أمام مئات آلاف الفارين من ويلات الحروب والفقر وخصوصا في سوريا والعراق وأفغانستان.

 تهم تصل عقوبتها للسجن المؤبد

الأشخاص الذين تتم محاكمتهم في القضية متهمون جميعا بتهريب البشر والتعذيب، فيما أربعة منهم بالإضافة إلى ذلك "بالقتل والقسوة" وفي حال إدانتهم يمكن أن يحكم عليهم بالسجن المؤبد. ويعتقد أن هؤلاء المتهمين ينتمون إلى عصابة قامت بتهريب مئات المهاجرين إلى دول أوروبا الغربية، وغالبا ما كان يتم نقلهم في "شاحنات صغيرة مظلمة لا يدخلها الهواء ولا تصلح لنقل الركاب، مكتظة وفي ظروف غير إنسانية مؤلمة"، حسب ما جاء صرح به المدعي العام في المحكمة.

في الـ 27 من آب/اغسطس 2015 تم العثور على الشاحنة متروكة على جانب الطريق السريع إيه-4 في ولاية بورغنلاند قرب الحدود النمساوية الهنغارية، وانتشرت صورها حول العالم وحركت الرأي العام. وهو ما يشير نفوذ وسائل الإعلام وقوة الصور وتأثيرها على الجمهور، وفي هذا السياق يقول الباحث الألماني وأستاذ الإعلام، ميشائيل هالر عن صورة الشاحنة أنها كانت "قمة الصور المرعبة" عن مأساة اللاجئين ومعاناتهم من الجوع والعطش خلال رحلة اللجوء عبر دول البلقان ناهيك عن غرقهم في البحر وصورة الطفل السوري أيلان الكردي، ويضيف بأن هذه الصور "جلبت مأساة اللاجئين بكل ما تعنيه الكلمة، من بالبلدان البعيدة إلى أمام أبواب بيوتهم".

 قوة الصورة وتأثيرها على الرأي العام

البروفسور ميشائيل هالر

وهذه الصور المأساوية عن معاناة اللاجئين دفعت ألمانيا إلى فتح حدودها أما مئات آلاف اللاجئين وأثرت على النقاش والجدل حول اللاجئين وسياسة برلين تجاههم، وكانت رسالة هذه الصور بمثابة نداء يقول "يجب ألا يحدث مثل هذا، يجب أن نفعل شيئا ما الآن! وهذه الرسالة شجعت المستشارة أنغيلا ميركل أيضا  ترك الحدود مفتوحة مؤقتا واستقبال كل اللاجئين، مع كل ما يرافق ذلك من مخاطر وآثار جانبية" يقول البروفسور هالر في حواره مع DW.

 وتجدر الإشارة إلى أنه تم التعرف على هويات جميع اللاجئين الذين كانوا في الشاحنة ما عدا واحد منهم، وقد أعيدت جثث معظمهم إلى دولهم، فيما دفه 12 منهم في النمسا.

وكشفت وثائق نشرتها وسائل إعلام ألمانية أن سائق الشاحنة وهو بلغاري الجنسية اسمه  ايفايلو إس (26 عاما) يقول في مكالمة هاتفية مع المتهم الأفغاني الذي يعتقد أنه كان رئيس العصابة، عن استغاثة المهاجرين المحبوسين في الشاحنة "إنهم يصرخون طوال الوقت، لا يمكنك تصور ما يحصل هنا".  ويأمره زعيم العصابة بتجاهل صراخهم واستغاثتهم ومواصلة سيره قائلا "إذا ماتوا ... انزلهم في غابة في ألمانيا". وذكرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية أن الشرطة الهنغارية اعترضت المحادثات في إطار تحقيق كانت تقوم به بشأن عصابة التهريب ولم تتحرك. غير أن المسؤولين الهنغاريين قالوا إنه لم يتم الاستماع للمحادثات في وقتها الحقيقي بل تم تسجيلها لترجمتها في وقت لاحق.

 وقال المحققون إن المشتبه بهم لم يظهروا أي ندم رغم معرفتهم بموت المهاجرين. وبعد يوم على اكتشاف شاحنة الموت، قامت العصابة مرة أخرى بتحميل 67 مهاجرا في شاحنة تبريد وتوجهت إلى النمسا، لكن هذه المرة "تمكن المهاجرون من ركل باب منطقة التحميل وفتحه، لذا لم يمت أحد منهم"، أضاف المحققون.

 


 

للمزيد