مركز بورنارا لتسجيل طالبي اللجوء في قبرص، الوحيد من نوعه على الجزيرة القبرصية. شريف بيبي \ مهاجر نيوز
مركز بورنارا لتسجيل طالبي اللجوء في قبرص، الوحيد من نوعه على الجزيرة القبرصية. شريف بيبي \ مهاجر نيوز

مركز بورنارا لاستقبال وتسجيل طالبي اللجوء في قبرص هو وحيد من نوعه على الجزيرة المتوسطية. أنشئ المركز في 2019 ليستقبل ألف طالب لجوء كحد أقصى، في حين وصلت أعداد الموجودين هناك اليوم إلى أكثر من ثلاثة آلاف، تحاصرهم الأسلاك الشائكة والنفايات ورائحة المجاري، والأخطر عدم اليقين بالغد. مهاجر نيوز زار المركز والتقى بعدد من المهاجرين هناك، تحدثوا عن حياتهم في المركز وتوقعاتهم وأحلامهم المعلقة.

بوابة حديدية ضخمة يعلوها قوس ولائحة جانبية تبرز علم قبرص والاتحاد الأوروبي. حراس مدنيون داخل غرف صغيرة محاذية يتفقدون الداخلين إلى مركز بورنارا لاستقبال طالبي اللجوء في قبرص، يدققون بأوراقهم ويمنعون أيا كان من الدخول. سألنا إحدى الحارسات الواقفات على الباب ونحن نعلم الجواب مسبقا، ما إذا كان بإمكاننا الدخول إلى المخيم، طبعا الجواب جاء بالنفي. لكنها وعدتنا بالتحدث إلى أحد المسؤولين بالداخل ليخرج ويتحدث معنا، وهذا أيضا لم يحدث.

من الخارج تبدو خيام طالبي اللجوء محاذية لقسم من المخيم مخصص لمكاتب المنظمات غير الحكومية. منازل جاهزة مصطفة بشكل متراص، كل منها مزود بألواح شمسية وسخانات مياه ومكيفات هوائية. معظمها مغلق وأخرى يجلس أمامها شبان وشابات يتحدثون. في الخلفية تماما تظهر خيام طالبي اللجوء، بعضها ممزق وأخرى تكاد تختفي من طبقات الثياب المغسولة ربما والمنشورة على جنباتها. بين المشهدين أنهار من النفايات تفصل بين الخيام وتفترش الطريق الرئيسي للمخيم.

للمزيد>>> قبرص.. محاولات لتطوير نظام اللجوء والنتيجة نفسها

غير بعيد عن المدخل الرئيسي، على بعد نحو 100 متر، تجمع نحو 30 مهاجرا، معظمهم من دول أفريقية، أمام بوابة جانبية للمخيم. ينتظرون توزيع الطعام. الساعة كانت تشير لحوالي الثالثة وهم ينتظرون منذ الـ12 ظهرا.

لا تبدو البوابة محروسة كتلك الرئيسية، الجميع يدخل ويخرج دون أي تدقيق وهذا ما أثار استغرابنا. محمد، مهاجر من ساحل العاج كان من بين المهاجرين الواقفين هناك، قال لمهاجر نيوز إن الإجراءات عند البوابة الرئيسية شكلية، فللمخيم مدخلين آخرين غير رئيسيين، إضافة إلى ست مداخل أخرى "غير نظامية" استحدثها طالبوا اللجوء ليسهلوا حياتهم.

إحدى الفتحات التي استحدثها طالبواللجوء في المركز ليتمكنوا من الدخول والخروج بحرية، مهاجر نيوز
إحدى الفتحات التي استحدثها طالبواللجوء في المركز ليتمكنوا من الدخول والخروج بحرية، مهاجر نيوز


يتجمع المهاجرون تدريجيا مع معرفتهم أن الصحافة موجودة، يتحدثون كلهم بنفس الوقت، الجميع يريد أن يروي قصته، الجميع يريد أن يرينا حجم المأساة في الداخل، والجميع طبعا كانوا هناك ينتظرون طعام الغذاء.

المشهد حول المخيم مقفر، أراض جرداء على كامل المساحة، فقط من الجهة الشمالية يمكن رؤية منشآت ضخمة تابعة لمعامل إنتاجي في المنطقة، عدا عن ذلك لا شيء هناك. جون، مهاجر آخر من نيجيريا، قال إن مشهد التجمع هنا يومي، ظهرا ومساء، "لا خيار لدينا سوى الانتظار هنا للحصول على وجبة الطعام. في أحيان كثيرة نرمي تلك الوجبات لأنها لا تؤكل. لا أعلم اليوم ماذا سيطعمونا".

أسلاك شائكة وفتحات بالسياج

الحياة في بورنارا رتيبة، تفاصيلها متشابهة بشكل يومي. المركز الذي يعتبر مكان التسجيل الوحيد في قبرص لطالبي اللجوء، يبعد حوالي 10 كلم عن العاصمة نيقوسيا. جميع المتواجدين هناك قدموا من شمال الجزيرة الواقع تحت السيطرة التركية مباشرة بعد عبورهم الخط الأخضر.

أثناء الحديث، جاءت سيارة صغيرة من داخل المخيم باتجاه البوابة التي كان يتجمع عندها طالبو اللجوء. بسرعة كبيرة انتظم الجميع بصف طويل أمام فتحة بالسياج. ترجل من السيارة امرأة ورجل، وبدآ بتوزيع علب الطعام على المهاجرين. "دجاج" يقول محمد، "إنه يوم جيد"، والبسمة تعلو محياه.

اصطفاف طالبي اللجوء للحصول على الطعام. شريف بيبي \ مهاجر نيوز
اصطفاف طالبي اللجوء للحصول على الطعام. شريف بيبي \ مهاجر نيوز


جولة صغيرة حول سياج المخيم أظهرت الوضع السيء الذي يعيشه طالبو اللجوء هناك. رائحة مياه المجارير تفوح في كل مكان، أسلاك شائكة ترزح تحت أكوام من النفايات، فتحة صغيرة في السياج الفاصل تقطع المشهد الممل الذي يذكر بالمناطق الحدودية، ليستكمل انسيابه بعد تلك الفتحة.

الحرية والإجراءات الإدارية والعودة للمخيم

"لا مجال أمامنا سوى أن نتكيف ونحيا. نحاول قدر استطاعتنا إدارة شؤون حياتنا هنا بسلاسة وهدوء، فما من أحد سيقوم بذلك هنا"، يتحدث جون وهو ينظر بالاتجاه المعاكس ناحية المخيم. "العنف بالداخل سيد الموقف. نحاول تفادي اندلاع أي أحداث عنيفة، لكن الضغط النفسي الذي يعيشه طالب اللجوء هنا لا يحتمل".

ويكمل "هناك كثيرون هنا، خارج وداخل المخيم، ممن أطلق سراحهم وحصلوا على الأوراق التي تثبت أنهم طالبو لجوء. لكن إلى أين عساهم يتوجهون".

للمزيد>>> اللجوء في قبرص.. الإجراءات والحقوق ومواقف المنظمات غير الحكومية

بعد أطلاق سراحهم، ينقل طالبو اللجوء إلى نيقوسيا، إلى ساحة سولومون (سليمان). هناك يطلب منهم مسؤولو الهجرة تزويدهم بعناوين بريدية لتصلهم مراسلات الدائرة ومتابعة ملفاتهم. الأغلبية العظمى من هؤلاء لا يملكون عناوين بريدية، بعضهم يقع فريسة شبكات الاستغلال، حيث يدفعون المال مقابل عنوان وهمي، لتضيع أوراقهم لاحقا. "الجميع تقريبا يعود إلى المخيم"، يقول جون، "لا خيار آخر. علينا أن نجد مكانا ننام فيه بأمان، طعام، دورات مياه. كيف يمكننا تسيير أمورنا في نيقوسيا".

عندما تم افتتاح بورنارا في 2019، أعلنت السلطات في حينه أن قدرته الاستيعابية تبلغ ألف شخص كحد أدنى. لكن وفقا للسلطات أيضا، هناك حوالي ثلاثة آلاف حاليا هناك، مع تزايد دوري شبه يومي (حوالي 100 شخص جديد يأتون للمخيم يوميا، حسب الداخلية القبرصية).

تقارير مثيرة للقلق

مع كل ما سبق، يمكن للقارئ تخيل الوضع المعيشي المزري هناك. القمامة، مياه المجاري، الأسلاك الشائكة، المعاملة السيئة... يضاف لكل ذلك عدم اليقين حيال الحصول على المعونات اليومية. منذ أسبوعين تقريبا، توقفت السلطات المشرفة على المخيم عن توزيع قارورات المياه على طالبي اللجوء، لذا بات عليهم شراءها أو الشرب من الصنابير المتوفرة عن المدخل الرئيسي، "المياه ليست جيدة"، يقول محمد، "في كل مرة أشرب من تلك الصنابير أمرض".

تقرير صادر عن منظمة "المجلس القبرصي للاجئين" أورد أن 300 قاصر في المخيم "يتشاركون مرحاضين وغرفة استحمام واحدة" تم وضعها محاذية للسياج، ما يعرض القاصرين لخطر انتهاك خصوصيتهم هناك. السلطات وضعت أيضا ست مراحيض قابلة للنقل عند المدخل الغربي للمخيم "إنها قذرة للغاية" يقول جون، "لا خصوصية فيها، نفضل الذهاب لقضاء حاجتنا في هذه الأراضي المقفرة. الجميع يفعل هذا هنا".

جانب من المخيم حيث تظهر الخيام المقدمة من مفوضية اللاجئين، وحبال الغسيل التي ترافقها في المشهد. مهاجر نيوز
جانب من المخيم حيث تظهر الخيام المقدمة من مفوضية اللاجئين، وحبال الغسيل التي ترافقها في المشهد. مهاجر نيوز


تقرير آخر صادر عن مفوض حقوق الطفل في قبرص نشر مطلع العام الجاري، استنكر الظروف المعيشية في المخيم للقاصرين. أيضا زيارة لوفد برلماني للمخيم دفعت بأعضاء الوفد لإدانة الظروف المعيشية هناك ومطالبة الحكومة ببذل الجهود لتغيير الواقع.

للمزيد>>> "قنبلة موقوتة".. وفد برلماني قبرصي يزور مركز استقبال للمهاجرين ويحذر من تدهور الأوضاع المعيشية بداخله

"الواقع هنا لن يتغير"، يقول المهاجرون الذين باتوا الآن متجمعين عند المخل الرئيسي للمخيم، "لا نشعر بالأمان، ونضطر للدفاع عن أنفسنا بمواجهة العنف بالعنف. القاصرون بوضعية حرجة ولا أحد يأبه لهم، وضعوهم بمنتصف المخيم حرفيا. النساء يعانين من انتهاك كبير لخصوصياتهن. أما الشباب فهم ضحايا الرتابة والانتظار والسجن وضياع العمر".

 

للمزيد