لم تتوقع أمينة أن تتسم ولادة طفلها الرابع بالكثير من الصعوبة، لدرجة أن تواجه خلالها الكثير من التعقيدات. خلال فترة حملها في مخيم للاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية، أدركت أن الظروف لا تسمح باستقبال مولودها الجديد.
وصلت أمينة (اسم مستعار) وعائلتها إلى ليسبوس في عام 2019 بعد الفرار من بلدها أفغانستان، حينها كانت البلاد غير مستقرة عقب محاولة طالبان السيطرة على بعض المناطق.
رفقة ثلاث فتيات، أصغرهن تبلغ من العمر عامًا واحدًا فقط، تم نقل أمينة وزوجها وبناتها للعيش في مخيم موريا سيئ السمعة، الذي كان أكبر مخيم للاجئين في أوروبا حينها. كان يستضيف حوالي 12000 طالب لجوء، أي أربعة أضعاف سعته الحقيقية، كانوا جميعاً يعيشون في خيام مؤقتة، وفي ظروف غير صحية وازدحام كبير، كلها كانت أسباباً تدعوا لتنديد منظمات حقوق الإنسان للتنديد بظروف عيش القاطنين فيه.
ظروف مزرية
يقع الساحل الشمالي لجزيرة ليسبوس على بعد 12 كيلومترًا فقط من الساحل التركي، وقد أصبحت الجزيرة الوجهة الرئيسية لوصول الأفغان والسوريين اعتبارًا من عام 2015. عندما احترق مخيم موريا بالكامل في سبتمبر/أيلول 2020، تم إرسال آلاف الأشخاص إلى البر الرئيسي أو نقلهم إلى ميتيليني، المدينة الرئيسية في ليسبوس. لكن أمينة وعائلتها نقلوا إلى مخيم مافروفوني على الواجهة البحرية، القريب من موريا.
كان من المفترض أن يكون المخيم مؤقتًا، لكن بعد معارضة السكان المحليين لبناء مخيم جديد، تقرر تجديد مخيم مافروفوني. حينها تم نقل جميع الأشخاص المتبقين البالغ عددهم 2200 شخصًا من الخيام، ليعيشوا في حاويات شحن ووحدات سكنية للاجئين. ورغم ذلك، ظل المخيم بعيداً كل البعد عن كونه مثاليًا للأمهات الجدد وحديثي الولادة، كما تقول أمينة.
"هذا المكان ليس أفضل من موريا، المشاكل نفسها توجد هنا أيضا. لا يمكن للمرء أن يعيش حياة طبيعية هنا"، تقول أمينة لمهاجر نيوز مستعينة بتطبيق ترجمة على الهاتف. وذكرت اللاجئة أن المراحيض هنا أكثر نظافة وعدداً من المتواجدة في مخيم موريا، كما أن كمية القمامة حولها أقل. وقالت أيضًا إنه المشاجرات بين السكان أصبحت أقل. يُسمح للناس بالخروج كل يوم بين الساعة 8 صباحًا و 8 مساءً باستثناء أيام الأحد، لكن الشرطة تفتشهم قبل عودتهم إلى المخيم، وتقوم بدوريات تفتيش مستمرة في المنطقة.

تجربة حمل وولادة قاسية
تجربة أمينة خلال حملها كانت بعيدة كل البعد عن الإيجابية، فبعد خضوعها لعملية قيصرية في ديسمبر/كانون الأول من أجل ولادة طفلها، طلبت إنشاء مرحاض بجوار حاوية أسرتها حتى لا تضطر للمشي لمسافة 150 مترًا في البرد وتحت المطر بعد الجراحة، لكن إدارة المخيم لم تستجب لطلبها.
صحتها النفسية متدهورة، لذلك تتناول مضادات الاكتئاب. لم ترضع أيًا من بناتها الثلاث، اللائي ولدن في أفغانستان، لكنها الآن ترضع طفلها حديث الولادة أحيانًا لأن الرضاعة الطبيعية جيدة.
الكهرباء عملة نادرة هنا، أحيانًا تنقطع معظم اليوم، ولا تستطيع أمينة غلي الماء لرضيعتها. في الشتاء، تصبح الحاوية باردة جدا ورطبة، ولا توجد إضاءة كافية لتغيير الحفاضة للرضيعة. كما أن الأسرة لا تحصل على مياه شرب في صنابير، باستثناء الحمامات، مما يجعل تحضير الزجاجة غير آمن.
مخاطر على الرضيعة
يُظهر وضع أمينة مدى الخطر المتربص بالأسر التي ترضع أطفالها بالزجاجة في المخيم. تشرح كارلين غريبل ، الأستاذة المساعدة في كلية التمريض "يوفر حليب الأم للأطفال غذاءً آمنًا وماءً ويحميهم من العدوى. وحتى في الحالات غير الطارئة ، فإن الأطفال الذين لا يرضعون رضاعة طبيعية هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الخطيرة بسبب العدوى، لذلك يكون الخطر الذي يواجهه الرضع الذين يعتمدون على حليب الأطفال أكبر بكثير".
تعتبر الرضاعة الطبيعية الحصرية خلال الأشهر الستة الأولى هي أفضل طريقة لإطعام الرضيع ، على الرغم من أنه ليس من السهل الوصول إليها إذا لم يكن لدى الأم الدعم الكافي. تُظهر الإحصائيات أن واحدة فقط من كل أربع نساء مهاجرات ترضع حصريًا لمدة ستة أشهر، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 44 بالمئة.
تدير MAM Beyond Borders، وهي منظمة غير حكومية إيطالية صغيرة تعمل في ليسبوس تحت مظلة مؤسسة Starfish اليونانية، عملية صغيرة ولكنها فعالة في الجزيرة. يقوم منسق وقابلة متطوعة بزيارات فردية للنساء الحوامل والأمهات الجدد اللواتي يعشن في المخيم ويقدمون لهن دروسًا منتظمة قبل الولادة، بالإضافة إلى جلسات حول الفطام والصحة الجنسية والإنجابية. هدفهم هو تشجيع الرضاعة الطبيعية وتقديم الدعم في قضايا أخرى، مثل الولادة وأدوات منع الحمل.

مشكل الفطام
منال، لاجئة سورية، أصبحت أماً للمرة الثالثة في ليسبوس. لم ترضع أبداً طفليها الأول والثاني. كانت صغيرة جدًا عند ولادة الطفل الأول، ومنشغلة جدًا خلال ولادتها الثانية، التي صادفت وجود الأسرة في تركيا. تمكنت مع نينا، التي تبلغ الآن من العمر ستة أشهر، من إرضاعها رضاعة طبيعية في الشهرين الأولين بعد حضور دروس ما قبل الولادة في المخيم.
بريندا، اللاجئة القادمة من جمهورية الكونغو الديمقراطية، فكرت كثيرا أثناء حملها بطفلها الرابع، في إرضاع طفلها القادم تركيبة حليب من الصيدلية، لأن ابنها رونالدو البالغ من العمر عامًا واحدًا، كان شديد التشبث بالرضاعة وغير مستعد للفطام.
بعد سماعها بمشكلاتها، عرضت القابلة الألمانية جوديث بيبر، المتطوعة لدى منظمة MAM في الأشهر الأولى من عام 2022 ، استشارة فردية لبريندا للتحدث عن الفطام.
خلال زيارة للعائلة، طمأنت القابلة بريندا أن سلوك رونالدو، رغم كونه صعبًا للغاية بالنسبة للعائلة ، يبدو أنه رد فعل طبيعي للظروف الصعبة لرحلة خطيرة وعدم استقرار الحياة في مخيم للاجئين. أوضحت لها القابلة أن الرضاعة الطبيعية لا تسبب مشاكل في الفطام. وبعد ولادة طفلها الرابع في مايو/أيار، صارت بريندا ترضعه رضاعة طبيعية. بينما صارت المشكلة الجديدة، تتمحور حول توفير الأكل الجيد لطفلها رونالدو وبقية إخوته، في ظل عدم وجود إمكانية لجلب الطعام بشكل مستقل، والاعتماد على القليل مما يتوفر داخل المخيم.

شح الأكل الصحي
في مافروفوني، الذي تديره السلطات اليونانية بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي ، يصطف الناس يوميًا لتلقي الطعام المطبوخ (بعض الأرز المطبوخ والدجاج والقليل من الخبز). إضافة لذلك، لا توفر الحاويات والوحدات السكنية للاجئين مطابخ أو أحواض مياه، على الرغم من أن الكثير من سكانها وفروا لأنفسهم مسخنات كهربائية لطهي الأكل. تقوم منظمة غير حكومية مستقلة بتوزيع عبوات غذائية خاصة على النساء الحوامل والأطفال أقل من سنة واحدة، تحتوي على خضروات إضافية.
المتطوعون في منظمة MAM على دراية بجميع المشاكل التي تعاني منها الأمهات والرضع والأطفال في المخيم، لكنهم لا يستطيعون توفير الكثير من الحلول، فالكلمة الأخيرة تبقى للسلطات التي تدير المخيم.
"أسوأ ما نصادفه من مشاكل، تلك المتعلقة بالطعام والظروف المعيشية، تبقى أيدينا مقيدة، والأسوأ من ذلك أن سكان المخيم محرومون من إمكانية الاعتماد على أنفسهم لتوفير ما يعوزهم"، يقول بيبر عن المنظمة.

عندما تواصل مهاجر نيوز مع Eurorelief ، المنظمة اليونانية غير الحكومية التي تدير بعض الجوانب اليومية داخل المخيم، حول مشاكل الأمهات والرضع، أرسلت Eurorelief رسالة إلكترونية قالت فيها: "سوف نتأكد من إيجاد حلول للمشكلات التي ذكرتموها".
ليس لدى أمينة أي فكرة عن المدة التي ستبقى فيها في المخيم، عائلتها عالقة هناك منذ ثلاث سنوات لأنهم لا يملكون المال للتقدم بطلب للحصول على إجراءات اللجوء الجديدة بعد تلقيهم أربعة قرارات رفض.
100 يورو للشخص الواحد، أي 600 يورو، هو مبلغ باهظ بالنسبة لعائلة لا يستطيع أي فرد منها العمل. مبلغ الرسوم بالنسبة للمنظمات الحقوقية يتعارض مع الحق القانوني في طلب اللجوء. تقول أمينة "أملي كبير في المغادرة، نريد فقط أن نحيا حياة طبيعية".
إيرين كاسيلي/ م.ب