© أ ف ب | مهاجرون يحتجون أمام مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العاصمة الليبية طرابلس بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2021
© أ ف ب | مهاجرون يحتجون أمام مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العاصمة الليبية طرابلس بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2021

محمد، شاب سوداني يبلغ من العمر 19 عاما، وجد صباح السادس من الشهر الجاري مشنوقا داخل زنزانة في مركز احتجاز عين زارة، بالقرب من العاصمة الليبية طرابلس. ملابسات الحادث مازالت غير واضحة، ففي حين أعلنت منظمات دولية أنها بانتظار نتائج تحقيقات الشرطة الليبية بشأن أسباب وفاة محمد، عادت بعض الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي بالتهمة على السلطات الليبية وظروف الاحتجاز التي دفعت محمد للانتحار، إضافة إلى الإهمال الذي تعرض له من قبل منظمات أممية.

تداولت حسابات عدة على وسائل التواصل الاجتماعي خبر انتحار مهاجر في مركز عين زارة لاحتجاز المهاجرين بالقرب من العاصمة الليبية طرابلس.

وفقا للحسابات، الشاب يدعى محمد محمود عبد العزيز ويبلغ من العمر 19 عاما. محمد كان ضحية عمليات المداهمات التي قامت بها السلطات في منطقة قرقارش في تشرين الأول\أكتوبر الماضي، حيث تم اقتياده مع آلاف المهاجرين الموقوفين حينها إلى مركز المباني في طرابلس.

وكانت السلطات الليبية قد شنت حملة مداهمات في حي قرقارش الشعبي، الذي تسكنه أعداد كبيرة من المهاجرين. الحملة، وفقا للسلطات في حينه، جاءت لمكافحة تجارة المخدرات في المنطقة، لكن نتج عنها توقيف حوالي خمسة آلاف مهاجر، تم إيداعهم مراكز احتجاز عدة، أهمها المباني.

لاحقا، حاولت مجموعة من هؤلاء الهرب من مركز المباني، فأطلق حراس المركز النار عليهم ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المهاجرين.


بالعودة لمحمد، هو كان من بين أولئك الذين شهدوا تلك الأحداث. حسابات مواقع التواصل تحدثت عن تعرضه لانتهاكات متعددة، دون أن تحددها.

للمزيد>>> لجنة تقصي حقائق أممية: وضع المهاجرين في ليبيا "مريع جدا جدا"

بعد ذلك بأسبوع، تمكن الشاب من الهرب من مركز المباني. توجه إلى مقر مفوضية اللاجئين في طرابلس، حيث انضم إلى الآلاف من المهاجرين الذين كانوا يقيمون اعتصاما مقابله، مطالبين بالحماية والإجلاء الفوري.

وافترش مهاجرون وطالبو لجوء الأرصفة مقابل المركز (المركز النهاري) منذ مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عقب الحملة التي شنتها السلطات على منطقة قرقارش، والتي كانت حصيلتها اعتقال الآلاف من المهاجرين وسقوط جرحى في صفوفهم، فضلا عن الدمار الذي لحق بالمنازل التي كانوا يقطنون فيها وبمقتنياتهم.

مطلع العام الجاري، وبعد إعلان مفوضية اللاجئين عن إنهاء العمل في المركز النهاري، حيث كان الاعتصام قائما، توجهت قوات من الشرطة الليبية إلى الموقع وفضت الاعتصام بالقوة.

للمزيد>>> قوات الأمن الليبية تفض اعتصام المهاجرين قبالة مركز مفوضية اللاجئين في طرابلس

المهاجرون حينها، ومن بينهم محمد، تعرضوا للضرب ولسوء المعاملة، وأجبروا على ركوب حافلات نقلتهم إلى مراكز احتجاز في عدد من المناطق.

"ملابسات الوفاة غير واضحة"

منظمة أطباء بلا حدود، التي لديها فرقا طبية تجول على عدد من مراكز الاحتجاز، قالت لمهاجر نيوز إن إحدى تلك الفرق، وأثناء زيارتها لمركز عين زارة صباح السادس من حزيران\يونيو الجاري، شاهدت جثة المهاجر "معلقة من هيكل معدني في إحدى الزنازين قيد الإنشاء".

وتابعت "لا تزال ملابسات الوفاة غير واضحة... قالت السلطات التي تدير مركز الاحتجاز لفريق منظمة أطباء بلا حدود إنها تنتظر ضباط النيابة لبدء تحقيق بالحادث قريبا"، معربة عن صدمتها وغضبها لما حصل.

حساب "مهاجرين في ليبيا" (refugees in Libya) على تويتر أورد أن "السلطات أبقت الجثة معلقة أكثر من 24 ساعة، متجاهلة تلك المأساة"، حسب تعبيره.

مفوضية اللاجئين: بانتظار نتائج تحقيق السلطات

من جانبها، أعربت المفوضية العليا للاجئين، على لسان المتحدث باسمها طارق أرغاز، عن حزنها لمأساة وفاة طالب اللجوء السوداني الشاب مساء الأحد الماضي في مركز احتجاز عين زارة في طرابلس.

وفي رسالة إلكترونية بعث بها لمهاجر نيوز، قال أرغاز إن "الشاب كان مسجلا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا، وتلقى المساعدة من خلال برامجنا الحضرية".

وأضاف "توجه الشريك الطبي للمفوضية إلى مركز الاحتجاز فور إبلاغه بالحادثة، لكنه لم يتمكن سوى من تأكيد وفاة طالب اللجوء. ونقلت الشرطة الجثة إلى مستشفى طرابلس المركزي، حيث ستجري السلطات تحقيقا لإلقاء الضوء على الملابسات التي أحاطت بهذا الحادث المأساوي".

وأكد المتحدث باسم الهيئة الأممية أنه يوجد حاليا "حوالي 980 طالب لجوء ومهاجر محتجزون في مركز عين زارة". مشددا على أن "الظروف المعيشية رهن الاحتجاز قاسية، وغالبا ما تكون هذه المراكز مزدحمة والوصول إلى الخدمات الأساسية محدود للغاية".

"ضرورة إلغاء نظام الاحتجاز"

أما منظمة الهجرة الدولية فقد أعادت التأكيد على أن الظروف المعيشية داخل مراكز الاحتجاز في ليبيا "مروعة، ويجب إلغاء هذا النظام بشكل أولي".

وفي رسالة إلكترونية قالت المنظمة لمهاجر نيوز إن "هذه المأساة ليست الأولى في مراكز الاحتجاز الليبية، إذ وقعت وفيات مماثلة في الماضي إضافة إلى حوادث إطلاق نار على مهاجرين محتجزين". وأضافت "ينتهك نظام الاعتقال (مراكز الاحتجاز) أبسط حقوق الإنسان، والظروف، الموثقة بشكل جيد من قبل الأمم المتحدة، هي غير إنسانية".

ومن بين الظروف السائدة داخل تلك المراكز والتي انتقدتها المنظمة مرارا، "سوء المعاملة وانتشار الأمراض وسوء التغذية والاستغلال. نخشى استمرار المآسي التي يمكن تفاديها في حالة عدم اتخاذ إجراءات لتخفيف المعاناة".

وجدّدت مطالبتها السلطات الليبية "بتبني بدائل إنسانية والإفراج عن المهاجرين بطريقة منظمة وآمنة".

المأساة المستمرة

من كل ما سبق، لا تبدو مأساة محمد الأولى، ولن تكون الأخيرة، في ظل ظروف احتجاز غير إنسانية، وفي ظل انعدام آفاق حلول قد تساهم بحل أزمة المهاجرين العالقين في ليبيا. خلال سنوات مضت، وثق مهاجر نيوز عددا كبيرا من الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها مهاجرون هناك، انتهاكات لا تبدأ بالاعتداءات الجنسية ولا تنتهي بالاستعباد، وجميعها أدى بعدد من المنظمات الدولية والأممية للمطالبة بضرورة إجلاء المهاجرين إلى دول ثالثة. لكن هل عمليات الإجلاء المتوافرة حاليا طرحت حلولا؟

للمزيد>>> النيجر: مقتل طالب لجوء سوداني خلال أعمال عنف قبالة مركز مفوضية اللاجئين في أغاديز

قبل أيام قليلة، نشر مهاجر نيوز مقالا عن أوضاع المهاجرين الذين تم إجلاؤهم من ليبيا والجزائر إلى النيجر، كبلد ثالث آمن. هؤلاء مازالوا ينتظرون هناك (بعضهم منذ أكثر من ثلاث سنوات) أن يتم نقلهم إلى بلدان أخرى، تحديدا إلى أوروبا. بالنسبة لمفوضية اللاجئين، المسؤول الرئيسي عن ذلك الملف، كثير من هؤلاء لا تنطبق عليهم شروط إعادة التوطين، فما الحل أمامهم إذا؟ البقاء في النيجر؟

 

للمزيد