يكثر الحديث مؤخرا عن أزمة الغذاء العالمية المتوقعة وآثارها المباشرة على الاستقرار العالمي ومعدلات الهجرة. تقارير متخصصة تخوفت من كارثة عالمية متمثلة بمجاعة كبرى، فضلا عن موجة هجرة ونزوح غير مسبوقة، إذا لم يتم العمل سريعا على معالجة الأسباب الرئيسية لها ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، فضلا عن التغيرات المناخية الحادة التي تعصف بالكرة الأرضية.
أثناء تقديمه التقرير السنوي لمفوضية اللاجئين حول النزوح العالمي، قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إن الجهود الحالية المبذولة لمعالجة أزمة انعدام الأمن الغذائي العالمية، والتي تفاقمت بشكل كبير عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، "ذات أهمية قصوى ... لمنع عدد أكبر من الناس من الانتقال".
المسؤول الأممي لم يحدد أرقاما تفصيلية بشأن حجم النزوح المتوقع قائلا "... لا أعرف، لكنها ستكون أرقاما كبيرة جدا". محذرا من أثر الأزمة "المدمر" على الدول والمجتمعات التي تعتبر الأكثر عرضة وضعفا بمواجهتها.
التقرير السنوي للمفوضية، المعنية بمتابعة شؤون وتطورات الهجرة واللجوء في العالم، أظهر أن 89,3 مليون شخص نزحوا أو لجأوا من أماكن إقامتهم خلال 2021 نتيجة أزمات متعددة. هذا الرقم يمثل أكثر من الضعف مقارنة بنظيره التذي تم تسجيله في 2020.
بالمقارنة، تتوقع المفوضية أن تتخطى الأرقام لعام 2022 الـ100 مليون، مع ندرة الغذاء المتزايدة والتضخم وأزمة المناخ.
الحرب الروسية الأوكرانية
خلال العقود القليلة الماضية، ارتبطت حركة الهجرة والنزوح واللجوء بالصراعات المسلحة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب الدول المصدرة للمهاجرين. أسباب بغالبيتها بقيت محصورة داخل حدود الدول المعنية، إلى أن شهد العالم أثر الحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاساتها على الأمن الغذائي الدولي.
تعتبر كل من روسيا وأوكرانيا من المورّدين الرئيسيين للقمح وزيت عباد الشمس في العالم. كما تعد أوكرانيا من بين أكبر ستة مصدّرين للذرة والدجاج والعسل. مع اندلاع الحرب وإغلاق الموانئ الأوكرانية، باتت عملية تصدير تلك المنتجات شبه مستحيلة. أوروبا حاولت النظر في عملية استئناف تصدير تلك المنتجات عبر البر، لكن ذلك الخيار أثبت عدم نجاعته كون الكميات ستكون أقل بكثير، فضلا عن استحالة تلبية الحاجة العالمية بالسرعة المطلوبة.
مسؤولية الدول
خبراء أوروبيون أطلقوا تحذيرا مطلع الشهر الجاري بأن العالم بات يقف على أعتاب مجاعة كبرى، لاسيما في الدول الأقل نموا. الخبراء حددوا فترة 10 أسابيع (في وقت إطلاق التحذير) فقط "تفصلنا عن أكبر مجاعة عالمية. وهو ما يتماهى مع تحذيرات سابقة من أنّ الخريف القادم سيكون موعد هذه المجاعة، إن لم يتم إيجاد حلول لضمان استئناف تصدير القمح من أوكرانيا".
للمزيد>>> من آثار الحرب الروسية - الأوكرانية.. شبح الجوع يخيم على الشرق الأوسط
محسن ملش، الخبير الاقتصادي، تحدث لمهاجر نيوز في الإطار عن "حرب خبز عالمية، مع تراجع إمدادات السلع الحيوية على ضوء الحرب الروسية في أوكرانيا. ويأتي هذا في وقت تتصاعد فيه تحذيرات أممية ودولية من مخاطر مجاعة جدية من شأنها أن تهدد الاستقرار السياسي في العالم أجمع".
الخبير الاقتصادي تناول مسؤوليات الدول وسياساتها المحلية التي سترتد حكما على المستوى العالمي، فما أن بدأت "أزمة إمدادات السلع الغذائية وارتفاع الأسعار الذي رافقها، شرعت دول كبرى منتجة للغذاء بإصدار قوانين وتشريعات تحظر توريد الغذاء بحجة حماية أسواقها الداخلية وأمنها الغذائي. هذا انعكس على الدول المستوردة للغذاء ووضعها في مأزق غير مسبوق، حيث تنسد في أوجهها سبل استيراد الحبوب على سبيل المثال".
وتشعر الدول الأوروبية بالقلق من أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنقص في الأسواق الناشئة، خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، قد يؤدي إلى كارثة إنسانية وموجة هجرة ونزوح أخرى القارة.
أكثر الدول تأثرا بالأزمة
وبحسب تقرير لوكالة إس آند بي غلوبال (متخصصة بجمع وتحليل المعلومات)، فإن الدول العربية الأكثر تأثرا بالأزمة هي مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، ما يعني أن هذه الدول قد تواجه كارثة غذائية حال استمرار الأزمة.
ويبلغ صافي واردات الدول الخمس من الغذاء والطاقة ما بين 4% و17% من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما تلجأ لاستيراد الجزء الأكبر من إمدادات الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
وتعاني الدول الخمس المذكورة من ارتفاعات حادة في أسعار الغذاء والطاقة وعدم الاستقرار في الإمدادات، مع ارتفاع معدل البطالة، وهو ما يضاعف من أزماتها الاقتصادية بشكل كبير.
في لقاء إعلامي، حذّر المحلل السياسي التونسي رافع الطبيب مما سماه "هجرات المجاعات". يقول "كارثة متعددة الأبعاد انطلقت ارتداداتها في الجوار اسمها الجوع.. ستتحول قريباً إلى موجات ضخمة من الهجرة نحو أراضينا، انطلاقاً من بلدان الساحل والصحراء ووسط إفريقيا. تشاد أطلقت صيحة استغاثة، وأعلنت حالة الطوارئ القصوى الغذائية، والسنغال عبر رئيسها الذي زار موسكو يصرح أن إفريقيا ستنهار دولاً وشعوباً إذا تأخرت الإعانات الغذائية من روسيا".
الاتحاد الأفريقي حذر من "سيناريو كارثي"
رئيس السنغال ماكي سال، الذي يرأس الاتحاد حاليا، قال خلال اجتماع افتراضي مع قادة الاتحاد الأوروبي "ربما الأسوأ ينتظرنا لاحقا" إذا استمرت إمدادات الغذاء العالمية على حالها. وأضاف أن البلدان الأفريقية تضررت بشدة من أزمة الغذاء العالمية بسبب "اعتمادها الكبير" على القمح الروسي والأوكراني. وقال إن الوضع "مقلق" لقارة بها 282 مليون شخص لا يحصلون على ما يكفي من الطعام.
للمزيد>>> هل ستتسبب أزمة الغذاء العالمية بموجة هجرة جديدة في صفوف الشباب من تونس؟
المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي دافيد بيزلي، سبق وأن حذر من انتشار بقعة خطر المجاعة من الساحل إلى جنوب السودان إلى اليمن وأفغانستان، وكذلك على طول الطريق إلى هايتي وأمريكا الوسطى. المسؤول الأممي شدد على ضرورة معالجة هذا الوضع، وإلا سوف يشهد العالم مجاعة وزعزعة استقرار الدول وهجرة جماعية...
المناخ
ومع ذلك فإن أزمة اللاجئين في العالم، سواء من حيث الأعداد أو حدة المعاناة لم تصل إلى ذروتها بعد. صحيح أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا حرمت العالم من الكثير من المحاصيل الزراعية والحبوب، لكن خطر الجوع العالمي سبق وأن تم التحذير منه مرارا في السابق.
التغيرات المناخية الحادة التي تعصف بالكرة الأرضية جعلت الكثير من المتخصصين والمتابعين بحالة من الترقب الدائم، خاصة وأن التقديرات تشير إلى أن المناخ سيكون المحفز الرئيسي لأكبر موجة هجرة ولجوء تشهدها البشرية خلال السنوات القادمة.
البنك الدولي أصدر تحذيرا بشأن آثار التغيرات المناخية على دول جنوب الكرة الأرضية، حيث توقع أنه بحلول عام 2050، سيضطر نحو 86 مليون أفريقى (مثلا)، أو حوالي 6.6% من سكان القارة، للهجرة.
وتتعامل منطقة القرن الأفريقى حاليًا مع أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود، وضعت 16 مليون شخص في كينيا وإثيوبيا والصومال عرضة للخطر والمجاعة.
نزار رمال، الباحث والناشط الاجتماعي، قال إن تقديرات البنك الدولي "المرعبة تمتد لتشمل مناطق كبيرة في العالم. منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال ستشهد تصحرا غير مسبوق، وهو الأمر الذي بدأنا نشهده في العراق والأردن وأجزاء من سوريا. هذا دفع بحركة نزوح داخلية، فضلا عن اللجوء، باتجاه المناطق التي تعتبر أفضل حالا. لكن إلى متى سيستمر الحال على ما هو عليه؟ هذه المتغيرات ستدفع بالضرورة باتجاه حركة هجرة ضخمة".
الباحث أشار إلى أن تلك التطورات ترخي "بظلال سوداء على الاستقرار الداخلي للدول المعنية. فالبحث عن مناطق أفضل للعيش سيستحث عوامل نزاعات داخلية في تلك الدول، تضاف إلى الأسباب الرئيسية التي ستدفع الناس للهرب بحثا عن الطعام أولا والسلام ثانيا. عوامل لن تبقى مفاعيلها محصورة ضمن حدود الدول، كون أسبابها أيضا ليست محدودة بحدود جغرافية معزولة".