فيما تستمر محاولات الآلاف بالفرار من أفريقيا إلى أوروبا، يبقي الاتحاد الأوروبي على سياسته المتمثلة بتحصين الحدود الخارجية والحد من "الهجرة غير الشرعية"، لتتبلور أحدث تلك الجهود الأوروبية في شراكة جديدة مع النيجر، فضلا عن اتفاق يمهد الطريق أمام تعاون بين وكالة حرس الحدود الأوروبية "فرونتكس" والنيجر، التي تعتبر ممرا أساسيا للمهاجرين الوافدين إلى أوروبا عبر ليبيا.
بما يتماشى مع السياسة الأوروبية التي تشدد على "مكافحة الهجرة غير الشرعية" والحد من أعداد الوافدين، أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة الماضي 15 تموز/يوليو إطلاق "شراكة تشغيلية" مع النيجر للتصدي لتهريب المهاجرين، باعتبارها أحد الممرات الرئيسية للأفارقة قبل وصولهم إلى ليبيا، حيث تنشط رحلات عبور البحر المتوسط إلى السواحل الأوروبية، لا سيما إيطاليا ومالطا.
المفوضية الأوروبية: إعادة التوطين ستبقى أولوية
يرى الاتحاد الأوروبي في النيجر شريكا هاما لمساعدته على ضبط "تدفقات الهجرة"، أي من أجل محاولة السيطرة على الطرق التي يسلكها المهاجرون في القارة الأفريقية قبل وصولهم إلى أوروبا. وبالتالي موقع النيجر الجغرافي يجعل منها حجرا أساسيا في ملف الهجرة الأوروبي، كونها في قلب القارة الأفريقية وتشترك حدودها مع الجزائر وليبيا.
لكن صحراء شمال النيجر، التي تشكل الحدود مع ليبيا، تعرض المهاجرين لمخاطر جسيمة تودي بهم أحيانا. إذ تبتلع رمال الصحراء حياة آلاف الأشخاص ممن يحاولون العبور، لا سيما بعد أن يتوهوا لأيام دون مياه وطعام.

مفوضة الشؤون الداخلية بالمفوضية الأوروبية إيلفا جوهانسون، قالت من جهتها "سنبذل قصارى جهدنا لإنقاذ حياة المهاجرين ومنع انتهاك حقوقهم"، لكنها شددت أيضا على "تعزيز إدارة الحدود وأمنها وتفكيك الشبكات الإجرامية المسؤولة عن التهريب وتقديم بدائل اقتصادية حقيقية للأشخاص الذين يسعون إلى حياة أفضل في النيجر وخارجها".
لكن هل سيفضي بالفعل هذا التعاون الجديد بين الاتحاد الأوروبي والنيجر إلى حماية حياة هؤلاء الباحثين عن بلد أمان واستقرار في القارة العجوز؟
المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية إيزابيل أوتيرو برديراس، أجابت مهاجرنيوز أن مساعدة هؤلاء الأشخاص تتمثل في آلية العبور الطارئ (Emergency Transit Mechanism) التي أنشئت في العام 2017 وتديرها مفوضية اللاجئين، وتتيح نقل طالبي اللجوء المسجلين من النيجر إلى دول أوروبية وافقت على استقبالهم.
وعن مدى فاعلية هذه الآلية، أشارت برديراس إلى أنه حتى نهاية شهر شباط/فبراير الماضي، تمكنت المفوضية من إعادة توطين 1,352 شخصا مسجلين في النيجر إلى أوروبا. وأوضحت أنها أجلت أيضا 3,313 شخصا من ليبيا (أغلبهم ممن يعيشون ظروفا متدهورة في مراكز الاحتجاز) إلى النيجر ومنها إلى أوروبا، مؤكدة على أن هذه الاستراتيجية "ستظل أولوية" لهذا العام، وأن "الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل مع الشركاء في فرقة العمل التابعة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لضمان استمرار رحلات الإجلاء الإنساني".
لكن تبقى هذه الأرقام منخفضة جدا بالمقارنة مع عدد المهاجرين وطالبي اللجوء، الذين يستمرون بعبور الصحراء بحثا عن بلد آمن.
وبحسب السلطات في أغاديز، من الشائع أن تتعطل المركبات التي تقل مهاجرين في الصحراء أو أن يضيع المهربون في الصحراء، أو أن يتخلوا عن المهاجرين خوفا من نقاط التفتيش أو الدوريات العسكرية. فيموت بعض المهاجرين من الجفاف والعطش. وكان آخر الحوادث المأساوية في الصحراء، وقع 30 حزيران/يونيو الماضي حينما كشفت السلطات عن العثور على جثث عشرة مهاجرين بالقرب من الحدود مع ليبيا.
سياسات تؤدي إلى زيادة أعمال المهربين بدلا من إضعافها؟
اعتبر ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن هذا الاتفاق الجديد سيؤدي إلى "تحسين هياكل إدارة الحدود واتخاذ إجراءات صارمة ضد المتاجرين بالبشر والمهربين وأولئك الذين يسعون للاستفادة من محنة الرجال والنساء والأطفال المهاجرين".
لكن المنظمات غير الحكومية تنتقد مقاربة الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة وتحمله مسؤولية الوضع الحالي والمآسي الإنسانية في صحراء الساحل في النيجر.
الباحثة فيديريكا إنفانتينو في مركز سياسات الهجرة (Migration Policy center) تعتبر أن هذه السياسات تؤثر سلبيا على المهاجرين، وتوضح لمهاجرنيوز "عندما يكون عبور حدود معينة أكثر صعوبة، يقوم المهاجرون برحلات أطول وأكثر صعوبة وبالتالي أكثر خطورة وأكثر تكلفة. هذا الأمر يعزز ازدهار ‘تجارة’ المعابر غير الشرعية بدلاً من إضعافها".
لكن المفوضية الأوروبية تشدد على أهمية السيطرة على الحدود محمّلة المهربين مسؤولية المآسي التي تقع على طريق الهجرة. وقالت برديراس إن "تعزيز وجود الدولة في المناطق الهشة ومراقبة الحدود" سيكون أيضا جزءا من التعاون، فضلا عن "تعزيز القدرات لاحترام حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن والدفاع".
تعاون جديد مع وكالة الحدود الأوروبية "فرونتكس"
وعند الحديث عن تحصين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، تكون الوكالة الأوروبية "فرونتكس" الفاعل الأهم في هذا الشق. ورغم أن النيجر لا تشترك بأية حدود مع أوروبا، إلا أن "فرونتكس" أعلنت مطلع الأسبوع الجاري عن إبرامها اتفاقية تعاون مع مسؤولي النيجر. وجاء حفل التوقيع خلال الزيارة الرسمية لوزير داخلية النيجر حمدو أدامو سولي إلى بروكسل، الذي عقد في وقت سابق اجتماعا ثنائيا مع مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، وقعت "فرونتكس" وبعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في النيجر على شراكة جديدة لإدارة الحدود، حسبما أعلنت "فرونتكس" في بيان نشرته الجمعة 15 تموز/يوليو الجاري.
و"يمكن لفرونتكس، من حيث المبدأ، أن تدعم سلطات النيجر في تعزيز إدارة الحدود بطريقة فعالة ومتكاملة، وتسهيل العبور الشرعي للحدود مع معالجة الهجرة غير النظامية والجرائم العابرة للحدود"، حسبما أوضحت برديراس لمهاجرنيوز. لكنها أشارت إلى أن نشر قوات فرونتكس وتنفيذ ذلك على أرض الواقع يستلزم إبرام اتفاق دولي بين النيجر والاتحاد الأوروبي.
تشير الباحثة إنفانتينو إلى أن الاتفاقية الجديدة مع النيجر "تعزز مفهوم تجريم المهربين" وتركز على الجوانب العملية المتعلقة "بشرطة الحدود ومحاربة المهربين، مع الإشارة إلى تحسين الظروف المعيشية للمهاجرين المحتملين في الدولة واستمرار حملات التوعية الهادفة إلى تغيير قرارات (المهاجرين) المتعلقة بالمغادرة". لكنها تصر على أن "شبكات التهريب ليست مسؤولة عن حركات الهجرة، بل أن الهجرات ظاهرة طبيعية ومعقدة".
ما هي الميزانية المخصصة؟
كشفت برديراس لمهاجرنيوز أن الميزانية المخصصة (للفترة ما بين 2021 و2027) لدعم النيجر تبلغ 195 مليون يورو. وتشمل إصلاحات عدة منها دعم الاستقرار وإدارة المالية العامة والتعليم وتنمية القطاع الخاص، إضافة إلى إدارة الهجرة والتهجير القسري من قبل السلطات الوطنية والمحلية.
وأضافت أن هناك عدة برامج جارية لتعزيز التنمية الاقتصادية وسبل العيش البديلة للأشخاص الضالعين في التهريب:
• 50 مليون يورو لبرنامج يستهدف منطقة تيلابيري، ويدعم الاستقرار والأمن، ووجود الدولة والحكم المحلي، والمرونة الاقتصادية لسبل العيش للمجتمعات المحلية، والنازحين داخلياً واللاجئين.
• 50 مليون يورو للأعمال في مناطق مارادي وأغاديز ونيامي لتعزيز التعليم والتدريب، وخاصة للنساء والشباب وتنمية الفرص الاقتصادية.
• 15 مليون يورو لدعم الحكم المحلي والخدمات العامة من أجل الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسكان والسلام في منطقة أغاديز.
• 75 مليون يورو للإجراءات الإقليمية المتعلقة بالحلول الدائمة للسكان النازحين قسراً في أفريقيا جنوب الصحراء ستستهدف أيضا مواطني النيجر ونيجيريا.
التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول ثالثة من أجل السيطرة على الهجرة يثير مخاوف الباحثة فيديريكا إنفانتينو، التي ترى أن سياسات الاتحاد الأوروبي تؤدي إلى التأثير بشكل مباشر على السياسة الداخلية للدولة المعنية وتعاملها مع المهاجرين، كما أنها تحذر من زيادة احتمالية استخدام المهاجرين كعامل رهان في السياسة الخارجية تجاه الاتحاد الأوروبي أو باقي الدول الأفريقية.
سابقا، كان يعتبر عبور المهاجرين النيجر من الأمور الاعتيادية في شمال البلاد، إلى أن بدأت الدولة تحت ضغوط أوروبية تعزيز المراقبة على الحدود وسنّت قوانين في العام 2015 تجرّم تهريب المهاجرين وتعرض المتهمين لأحكام بالسجن تصل إلى 30 عاما. وتستهدف السلطات عمليات نقل المهاجرين في مدينة أغاديز بشكل خاص، على الرغم من أن المدينة تقع على بعد 1,100 كيلومتر من الحدود الليبية.