عناصر من الشرطة يسوون خيم المهاجرين بالأرض في كاليه، 28 كانون الثاني 2020. المصدر/ "هيومن رايتس أوبزيرفرز"
عناصر من الشرطة يسوون خيم المهاجرين بالأرض في كاليه، 28 كانون الثاني 2020. المصدر/ "هيومن رايتس أوبزيرفرز"

بعد تعليق القرار مدة ثلاثة أشهر، أعلنت محافظة با دو كاليه عن تطبيق قرارها المثير للجدل، والقاضي بحظر الجمعيات غير الحكومية العاملة في المنطقة من توزيع الطعام والمواد الغذائية على المهاجرين في وسط مدينة كاليه. وبررت المحافظة عودتها إلى هذا القرار من من جديد، لأنه ضروري للحفاظ على "النظام العام".

عاد من جديد قرارالسلطات في محافظة با دو كاليه في (شمال فرنسا) بحظر الجمعيات غير الحكومية العاملة من توزيع الوجبات الغذائية على المهاجرين في وسط المدينة، وحصر تلك العملية بجمعيات نالت ترخيصا محددا بذلك. والسبب الرئيسي الذي قدمته محافظة با دو كاليه لتطبيق قرارها المثير للجدل هو "الحفاظ على النظام العام".

هذا القراركان قد صدرعن محافظة با دو كاليه في 13 آب /أغسطس، وبدأت بالعمل على تطبيقه في اليوم التالي. وجاء في القرار تأكيد السلطات أن "توزيع المواد الغذائية بشكل طوعي ومجاني [...] يساهم في الحفاظ على بقاء المخيمات العشوائية، ما قد يكون له عواقب على الصحة العامة بسبب النفايات الناتجة من هذه المواد الموزعة".

وأضافت المحافظه أن هؤلاء المهاجرين يعيشون في مخيمات عشوائية وغير رسمية، وأن هذه الأماكن "تعرض حياة قاطنيها للخطر" بسبب "قربها المباشر من إحدى خطوط السكك الحديدية أوالقنوات والممرات المائية أو طرق السيارات لاسيما السريعة منها [...] ما يعرض حياتهم للخطر[...] كما حدث في 12 آب/ أغطسطس عندما تم العثور على جثة مهاجر في إحدى قنوات المياه القريبة من أحد المخيمات العشوائية في المدينة".

كما أكدت المحافظة أن "سلوك المهاجرين المستفيدين من هذه المساعدات، أثناء التوزيع المجاني للمشروبات وللمواد الغذائية، يؤدي إلى احتلال غير طبيعي للطريق العام".

مضيفة أن "الدولة الفرنسية تقدم في كاليه خدمات تسمح للمهاجرين بالوصول إلى مياه الشرب"، وأنها خدمات كافية.


وبهذا تجدد المحافظة مرة أخرى قراراها المثير للجدل بحظر جمعيات غير مفوضة من قبل الدولة من توزيع المواد الغذائية في وسط المدينة، كما فعلت منذ نحو عامين.

ففي العاشر من شهر أيلول/سبتمبر 2020 أصدرت محافظة با دو كاليه، مرسوما يقضي بمنع الجمعيات غير الحكومية من توزيع الوجبات الغذائية على المهاجرين (في حوالي 20 شارعًا ورصيفًا وساحة في وسط مدينة كاليه)، تقيدا بالنظام العام وللحد من المخاطر الصحية المرتبطة بالتجمعات غير المصرح بها، وفق بيان المحافظة، تحت طائلة غرامة قدرها 135 يورو، باستثناء الجمعيات التي تحصل على موافقة رسمية من الحكومة. وكانت فوضت جمعية "لا في أكتيف" (La Vie Active) بتوزيع وجبتين يوميا تؤمنها الحكومة.

لكن في شهر أيار/مايو الماضي، قررت المحافظة تعليق قرار الحظر، مبررة ذلك بتحسن السياق الصحي. وفي رد مقتضب على مهاجرنيوز، قالت المحافظة إن القرار السابق "كان يهدف إلى منع المخاطر المرتبطة بانتشار وباء بفيروس كورونا، والنظام العام. لكن الوضع الحالي في كاليه لا يتطلب تمديد الحظر".

اليوم، لا يحق إلا لجمعية (La Vie Active) بتوزيع الطعام والماء على المهاجرين في وسط المدينة.

ضغوطات متزايدة

هذا المرسوم الجديد سيؤدي إلى تعقيد عمل الجمعيات العاملة في كاليه. إذ لطالما اشتكت الجمعيات من تضييق السلطات على عملهم، فعلى سبيل المثال، وضعت الشرطة صخورا كبيرة في المواقع التي كانت تعتمدها الجمعيات كنقاط توزيع في المدينة، ولم يعد بإمكان الناشطين التوقف عندها. كما تشير الجمعيات إلى إحاطة مواقع نقاط التوزيع بأسلاك شائكة لمنعهم من التجمع فيها من جديد. كما بات في الكثير من تلك المواقع لافتات رسمية تشير إلى منع توقف السيارات.

للمزيد>>>>فيديو: الشرطة الفرنسية تصادر مساعدات غذائية لجمعية محلية في كاليه مخصصة للمهاجرين

وتندد الجمعيات المحلية بازدياد عدد المخالفات التي تصدرها السلطات، إذ يؤكدون تغريمهم في مواقف السيارات عند إيقاف مركباتهم التي تكون محمّلة بالمساعدات.

في شهر أيار/مايو الماضي، نشرت جمعية "كاليه فوود" (Calais food) مقاطع مصورة يظهر فيها عناصر الأمن وهم يقاطعون أعمال توزيع الطعام على المهاجرين، وقالت إن هذا جزءا مما يتعرضون له من مضايقات من قبل الشرطة الفرنسية بشكل يومي.


وكان منسق الجمعية، هوغو هاردي، أشار في وقت سابق لمهاجرنيوز إلى أن الشرطة سبق وصادرت عربات صغيرة محملة بالطعام والماء المخصص للمهاجرين، وقال "نتعرض للترهيب ولضغوط جسدية ونفسية من قبل الشرطة".

سياسة "عنصرية"

ولطالما طالبت الجمعيات الموجودة في شمال فرنسا بعدم التمييز بين الأوكرانيين وباقي المهاجرين في كاليه.

ففي شهر آذار/مارس 2022 أشارت مجموعة من الجمعيات التي تساعد المهاجرين في كاليه، من بينها "أوبيرج دي ميغرانت"، إلى أنها تدرس رفع شكوى تتعلق بالتمييز بين المهاجرين. واستنكر رئيسها فرانسوا غينوك، في لقاء مع قناة فرانس بلو نورد، المنطق "العنصري" لإدارة الأزمة، وأشار إلى أن "المعاملة غير المتكافئة بين الناس بناء على الجنس أو على اختلاف ألوان البشرة أو الديانات، جريمة". إذ رحبت عمدة المدينة ناتاشا بوشار بالأوكرانيين الذين فروا من الحرب إلى بلادهم. كما تم إيواء أكثر من 140 شخصا في بيت الشباب. حتى أن البعض تمكن من الاستمتاع بتناول وجبة في مقهى أو في مطعم على حساب البلديات المقيمين فيها.

 في تقريرها السنوي، 29 آذار/مارس، قالت منظمة العفو الدولية إن فرنسا بعيدة كل البعد من أن تكون نموذجا يحتذى به في احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان. ونددت بسياسة الترحيب بالمهاجرين في فرنسا والتي تستند إلى مبدأ التفرقة.

للمزيد>>> موت يتكرر في شمال فرنسا.. المهاجرون ضحية لسياسة الهجرة؟

يذكر أنه في 9 آب/أغسطس، شهدت بلدة لون- بلاج في شمال فرنسا مأساة جديدة بعد وفاة مهاجر سوداني غرقا في قناة "بوربورغ" القريبة من أحد مخيمات غراند سينث للمهاجرين. أراد المهاجر الاستحمام والاغتسال في قناة المياه القريبة، لعدم توافر أماكن ملائمة للاستحمام، لكنه مات غرقا .

بعد هذه الحادثة استنكرت المتطوعة في جمعية "يوتوبيا 56"، ماري تشابيل، الظروف السيئة وغير الإنسانية للمهاجرين قائلة "الظروف مروعة في هذا المخيم، هناك نقص شديد في المياه، كثير من قاطني المخيم يعانون من الحرارة المرتفعة والغبار". مضيفة، "ظروف الاستقبال السيئة هذه، تجعل المهاجرين يواصلون المخاطرة بحياتهم بهدف الوصول إلى إنكلترا". 

"إن عدم معرفة ماذا سيأكلون وسيشربون وكيف سيغتسلون، مع حذرهم الدائم من الشرطة، يدفع بالمهاجرين إلى المغامرة في مناطق شديدة الخطورة" وفق أحد المتطوعين.

 

للمزيد