أرشيف
أرشيف

قوارب جديدة غادرت السواحل الشمالية للبنان فجر أمس الأحد 21 آب/أغسطس 2022، مخلفة وراءها انطباعا متجددا بشأن تحول البلد المتوسطي إلى مصدّر للهجرة. الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة أدت إلى ارتفاع حاد بأعداد العاطلين عن العمل وفاقمت من معدلات الفقر، ما أدى بالكثير من مواطنيه واللاجئين المقيمين فيه للبحث عن سبل للمغادرة، تحديدا باتجاه دول أوروبا الغربية.

من جديد، قوارب الهجرة تغادر السواحل اللبنانية محملة بأشخاص خسروا الكثير في بلدهم ويسعون لتعويض بعض الفرح والأمان في بلاد الغربة.

سواحل لبنان التي شهدت قبل أشهر قليلة مأساة غرق قارب محمل بالعشرات، عادت لتودع قوارب جديدة على متنها عشرات آخرين، اختاروا خوض المتوسط باتجاه السواحل الإيطالية هربا من الفقر والعوز والأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة التي تعصف ببلاد الأرز.

وسائل إعلام محلية أفادت عن خروج عدة قوارب (قاربين أو ثلاثة)، كل منها يحمل ما معدله 40 شخصا، من عدة مواقع على الشواطئ الشمالية للبلاد. ووفقا للتقارير، فإن تلك القوارب التي كانت تستخدم للصيد، غير مجهزة للخوض في مياه المتوسط لمسافات بعيدة، ما يثير القلق حيال مصير من هم على متنها، خاصة مع عودة الحديث قبل أيام عن القارب الذي غرق في نيسان/أبريل الماضي قبالة سواحل طرابلس.

للمزيد>>> لاجئ فلسطيني في لبنان أصر على الهجرة.. "في المرة الرابعة وصلنا إلى إيطاليا"

حسابات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي نشرت صورا وفيديوهات من أحد تلك القوارب، تظهر عددا من الشبان يرتدون قبعات القش ويرفعون شارات النصر، في إشارة إلى أملهم بالوصول إلى بر الأمان والمستقبل الأفضل. تلك الحسابات أفادت بأن المهاجرين ينتمون للجنسيتين اللبنانية والفلسطينية، وأن معظمهم قادمون من بلدات وقرى ومخيمات الشمال اللبناني.

صعوبة إحصاء أعداد القوارب

أحد الأشخاص ممن حاولوا الهجرة في الماضي، قال لمهاجر نيوز في وقت سابق "الهجرة لن تتوقف، خاصة في صفوف الشباب. الجحيم الذي بتنا نعيش فيه يفرض علينا البحث عن أماكن أخرى. يكفي من يحاول الهجرة شرف المحاولة، على الأقل سيكون لديه الجرأة ليقول لأولاده أنه حاول وفشل بدل أن يستسلم للموت البطيء".

وتأتي الرحلات الأخيرة عقب انتشار فيديوهات وأخبار عن عدد من القوارب تمكنت من مغادرة لبنان باتجاه إيطاليا مؤخرا. هذا شجع المهاجرين على المغامرة وتجربة حظهم. فضلا عن ذلك، ما تمر به البلاد اليوم من ارتفاع بمعدلات الفقر والبطالة وانخفاض قيمة العملة المحلية وتراجع الخدمات العامة (الكهرباء، المياه، الطبابة...)، إضافة إلى الأزمات السياسية المتلاحقة، تجعل من المستحيل التكهن بما ستؤول إليه قضية الهجرة، التي حتى الآن مازال من الصعب إحصاء أعداد القوارب التي تمكنت من المغادرة والوصول إلى وجهتها بسلام.

للمزيد>>> قوارب مهاجرين عبرت المتوسط من لبنان إلى إيطاليا.. طريق جديد؟

وفي إحصاء لأعداد الواصلين إلى إيطاليا، شكل القادمون من لبنان حوالي 2% فقط من مجمل عدد المهاجرين الوافدين خلال النصف الأول من العام الجاري، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وإذا ما أردنا مقارنة تلك النسبة بنظيراتها للقادمين من ليبيا (55%) أو من تركيا (21%)، نجد أنها بالكاد تشكل حضورا ملموسا، لكن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أكدت أنه مقارنة بسنوات مضت، هذه النسبة تعتبر زيادة كبيرة بالنسبة لأعداد المغادرين للسواحل اللبنانية.

معدلات البطالة ترتفع ثلاثة أضعاف

وارتفعت مؤخرا أعداد محاولات الهجرة عبر السواحل اللبنانية، خاصة بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، وما ترتب عليها من ارتفاع بنسب الفقر والبطالة، أثرت بشكل غير مسبوق على الطبقات الفقيرة ومن بينها اللاجئين والنازحين في البلاد.

للمزيد>>> من آثار الحرب الروسية - الأوكرانية.. شبح الجوع يخيم على الشرق الأوسط

ووفق بيان صحفي مشترك لإدارة الإحصاء المركزي اللبنانية ومنظمة العمل الدولية، ارتفع معدل البطالة الرسمي في لبنان نحو ثلاثة أضعاف على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد.

ويشهد لبنان منذ خريف 2019 انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، أدى بأكثر من 80% من المقيمين هناك لأن يصبحوا تحت خط الفقر.

وبحسب المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أوليفييه دي شوتر حول لبنان، "يجد تسعة من كل عشرة أشخاص صعوبة في الحصول على دخل، وما يزيد على ستة أشخاص من كل عشرة سيغادرون البلد لو استطاعوا إلى ذلك سبيلا".

في تقرير خاص بالوضع اللبناني، أظهرت مؤسسة "الباروميتر العربي"، وهي شبكة بحثية مستقلة تقوم بإجراء استطلاعات للرأي العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2006، وتعتبر أكبر مستودع للبيانات المتاحة في المنطقة، عمق الأزمات السياسية والاقتصادية التي تسيطر على البلاد. كما بينت من خلال استطلاع أجرته رغبة ثلث اللبنانيين بالخروج من البلاد.

وحسب التقرير الذي نشر في تموز/يوليو الماضي والذي قارن بين عدد من الشعوب العربية في الشرق الأوسط، اللبنانيون هم الأكثر تشاؤما إزاء مستقبل بلادهم الاقتصادي.

 

للمزيد