الأخت كيارا خلال عملها التوعوي حول كالتاجيروني في صقلية
الأخت كيارا خلال عملها التوعوي حول كالتاجيروني في صقلية

في بلدة كالتاجيروني الإيطالية، تعمل الراهبة الفرنسيسكانية سور كيارا، حافية القدمين، لتقديم المساعدة للمحتاجين، بمن فيهم المهاجرات العاملات في الدعارة في شوارع صقلية.

"اسمي سور كيارا، وأنا جزء من عائلة Sorelle Minori (الأخوات الصغيرات) من أخوية القلب الطاهر"، هكذا تبدأ الأخت كيارا حديثها الهامس، بينما تنير شمس الخريف المتسللة من النافذة الصغيرة وسط جدران الدير السميكة وجهها.

كيارا هي كبرى الأخوات هنا في دير الراهبات الفرنسيسكان، الذي يقع في زاوية شارع خلفي ضيق في كالتاجيروني في صقلية. على الرغم من أنها تبدو صغيرة إلى حد ما، إلا أنها أصبحت تعرف بـ"أم للمهاجرين": "يميل المهاجرون إلى العيش على الهامش، لأسباب مختلفة، لكن بالنسبة لنا، هم بشر ويتمتعون بقيمة إنسانية ثمينة، وهم أفراد يحتاجون إلى العناية والمحبة"، هكذا تبوح كيارا لـ"مهاجر نيوز".

النساء اللواتي غادرن الدير منذ فترة طويلة وحصلن على وظائف في جميع أنحاء صقلية، يواظبن على زيارة كيارا في عطلة نهاية الأسبوع، تراهم كيارا "مثل الأطفال العائدين إلى والدتهم"، وتقول: "هذه لحظات جميلة. نحن مثل عائلة هنا. ذلك يجعلني أشعر وكأنني أمٌّ، لأنني أحاول أن أحبهم كما تحب الأم".

إحدى الكنائس في كالتاجيروني ليست بعيدة عن دير الأخت كيارا
إحدى الكنائس في كالتاجيروني ليست بعيدة عن دير الأخت كيارا

راهبة حافية القدمين

تسير الأخت كيارا وصديقتها الراهبة مارتا حافيتا القدمين، ليس فقط فوق الأرضيات الحجرية داخل الدير، إنما كذلك خلال العمل على مشاريع التوعية. ولا ترتدي الأختان الأحذية أو الصنادل البسيطة إلا إذا كانت الطرق مليئة بالأشياء الحادة أو الخطرة.

تتمتع الأختان كيارا ومارتا بابتسامتين عرضيتين وعيون متوهجة، ينتهي الحديث معهما في العادة بتلاوة صلاة.

عادةً ترتدي الأخت مارتا مئزر جميل وعملي مصنوع من الجينز البسيط، وهو يتناسب تماماً مع القماش الرمادي الباهت للباسهم الرسمي. كما تعيش الراهبات في الدير على التبرعات، ولا يستخدمن الضوء الكهربائي، ويعتمدن على تدفئة زيتية بسيطة عندما يكون الجو بارداً للغاية.

مهمتنا تقديم المساعدة للمهمشين

على مر السنين، وجدت العديد من النساء المهاجرات مكاناً للنوم ولتناول الطعام في دير الأخت كيارا، هذا بالإضافة إلى المساعدة في رعايتهن ورعاية أطفالهن، لبناء حياة جديدة لأنفسهن بعيداً عن حياة الشوارع والعمل بالدعارة.

"مهمتنا هي توفير العون لمن هم على هامش الحياة، ويشمل ذلك العاملات بالبغي، وكذلك أي شخص وجد نفسه على حافة حياته، فنحن نوفر لهم العناية بكل المحبة التي أعطانا إياها الرب". وتتابع كيارا "لقد رحبنا بالعديد من النساء اللواتي وجدن أنفسهن حوامل وبالتالي لم يعد بإمكانهن العمل، خاصة بالدعارة، وبالتالي لم يكن بإمكانهن دفع إيجار بيوتهن. لقد ساعدناهن بفترة حملهن وبعدها على رعاية أطفالهن الجدد، نحاول إيجاد عمل لهن حتى يكون بمقدورهن إعادة الاندماج في المجتمع بأفضل طريقة ممكنة لهن ولأطفالهن".

تمكث النساء في الدير لفترات مختلفة، بحسب كيارا فإن "الرب هو من يقرر المدة التي يحتاجها شخص ما للبقاء، ولا نفرض أبداً أي شيء. قد يبقى شخص ما شهرين أو ثلاثة، وقد يحتاج آخر إلى عام، وقد يبقى شخص آخر لفترة أطول، لذلك غالباً ما نكون قادرين على مشاهدة الأطفال يكبرون، وأحياناً نصحبهم إلى المدرسة، ونأخذهم إلى الأنشطة، إنه أمر رائع. لا يمكنك تحديد الحب بوقت، فبعض الجروح تستغرق وقتاً طويلاً للشفاء، والبعض الآخر لن يلتئم تماماً، لكن لا يمكننا وضع حد زمني لذلك".

بالإضافة إلى مساعدة بائعات الهوى، تزور الأخت كيارا كذلك السجناء في كالتاجيروني
بالإضافة إلى مساعدة بائعات الهوى، تزور الأخت كيارا كذلك السجناء في كالتاجيروني

صلاة مع النساء في الشارع

تتجول الأخت كيارا في كثير من الأحيان في ضواحي المدينة، وتلقي كلمات لطيفة، أو تصلي مع النساء المنتظرات قدوم الزبائن.

هذا ما يرويه الصحافي الصقلي أليساندرو بوليا، الذي يكتب بانتظام عن موضوع الهجرة، والذي رافقها في إحدى هذه المهمات في عام 2018، ويقول لـ"مهاجر نيوز": "عملها وأسلوبها مع هؤلاء النساء مثير للإعجاب بالفعل. هناك مستوى حقيقي من التقارب، رأيتها ترقص معهن، وهي عازفة جيدة على الغيتار، ورأيتهن يغنين الأغاني النيجيرية في الشارع معها".

ويضيف أليساندرو بوليا أن الأخت كيارا حمت النساء من العمل بتجارة الجنس، فعندما يتوجه "زبون" نحوهن، كان يرى الأخت كيارا بزيها كراهبة تقف معهن، لذلك يعود أدراجه ويختفي.

ويؤكد بوليا الذي تحدث إلى العديد من النساء على مر السنين: "لسوء الحظ، فإن العديد من قصص تلك النسوة متشابهة جداً وتعرض أغلبهن لسوء معاملة في معسكرات الاعتقال في ليبيا".

"تعلمت منهن الكثير"

تقول الأخت كيارا: "لقد تعلمت الكثير من النساء اللواتي ساعدناهن، والأهم من ذلك كرم النساء، نحن نعيش بدون نقود هنا؛ الرب يعولنا. ذات ليلة، تلقيت مكالمة من امرأة كانت بحاجة إلى المساعدة. كان لدينا امرأة أخرى هنا ولدت للتو ولم يكن لديها سوى 10 يورو، كان هذا هو كل المال الذي كانت تملكه في العالم. عندما سمعت أن امرأة أخرى تحتاج إلى المساعدة، أعطتني العشر يورهات، وطلبت مني الذهاب وإحضار تلك المرأة إلى الدير، رغم أنها لم تكن تعرفها. رفضت في البداية لأنها بحاجة إلى المال لرعاية طفلها، لكنها قالت لي: لقد عانيت من مشاكل عدة مرات في حياتي، لذلك أعرف ما تحتاجه هذه المرأة، وأريدك أن تساعديها كما ساعدتني، فخذي المال واذهبي لإحضارها".

تتابع كيارا بفخر: "أسمي هؤلاء النساء أميراتي، فنحن من بلدان مختلفة وديانات مختلفة، لكننا نشعر بوحدة الحال".

مؤخراً زاد الطلب على الإقامة بدير الأخت كيارا، لذلك طلبت من الأسقف مبنىً جديد، فمنحها مبنى كبير على أطراف كالتاجيروني، وهو دير سابق في Cappucin بدأوا في تجديده في الصيف.

"كان يوماً جميلاً. اجتمعنا كلنا، مهاجرين، ومشاة البحرية، وسكان محليين. وقدم كل منا ما في وسعه، مهما كان صغيراً. أصبحنا سلسلة من الحب وبدأنا في تجديد هذا المبنى وتطهيره من كل القمامة التي ملأت جدرانه وحدائقه"، تقول الأخت كيارا.

"حيث توجد المعاناة يوجد الله"

إحدى مهمات الأخت كيارا هي زيارة السجناء في السجن المحلي، وتقول: "حيثما يوجد معاناة يوجد الله؛ لأنه حيثما توجد معاناة يوجد جرح وحيث يوجد جرح يوجد فتحة وباب ينفتح، وهذه هدية"، وتتابع: "يشرفني أن أكون قادرة على مرافقة هؤلاء الأشخاص وتجفيف دموعهم. إنه مكان حزين. نغادر ويبقون حيث هم، ولكن إذا تمكنت من وضع قطرة من الأمل أو الفرح أو الحب أو العزاء في هذه الجروح، فأنا أشعر بالرضا، وهذا يساعد على بناء نار الحب التي يمكن أن تمنح للغير".

وتشرح مهمتها لـ"مهاجر ينوز": "لا يمكننا أن نكون غير مبالين بالنساء اللواتي يعملن في الشوارع، أو للسجناء الذين ربما ارتكبوا الكثير من الأخطاء الفادحة. نحن كلنا أبناء الله، وعندما نواجه المعاناة، نصبح أكثر إنسانية. أحياناً تمنحك هذه المعاناة فرصة ثانية. نحن هنا بأذرع مفتوحة لنقول للناس: يمكنكم النهوض والبدء من جديد".

ترى كيارا نفسها على أنها صوت هؤلاء الأشخاص الذين في الغالب لا صوت لهم، وتعتبر نفسها داعم لهم وجسر لعبورهم نحو حياة جديدة: "عندما أذهب لمقابلة النساء في الشارع، أبتسم. ثم أصلي معهن. لا أرى هؤلاء النساء كعاهرات، بل أراهن نساء مدهشات وجدن أنفسهن هناك بسبب الحزن في حياتهن".

الأخت كيارا منشغلة بإعداد مبنى جديد في كالتاجيروني حيث يمكنها توفير أماكن لمزيد من النساء وأطفالهن
الأخت كيارا منشغلة بإعداد مبنى جديد في كالتاجيروني حيث يمكنها توفير أماكن لمزيد من النساء وأطفالهن

رعاية طبية مرافقة للروحية

تشرح الأخت كيارا أن العمل في الشارع ينطوي على الكثير من المخاطر. تحتاج بعض النساء إلى المساعدة في الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي أو التهاب الكبد، لذلك تأخذ الراهبات طبيباً معهن يمكن أن يساعدهن في تقديم المساعدة العملية للنساء والتأكد من حصولهن على الاختبارات وأي أدوية قد يحتجن إليها. كذلك، يعالج الطبيب أيضًا أشياء مثل حروق الشمس من الوقوف لساعات في الشارع في انتظار الزبائن. وأثناء جائحة كورونا، أخذوا معهم الأكسجين ومعدات التنفس".

وتوجه الأخت كيارا رسالة لكل مهاجرة تعمل بالدعارة في الشارع بأنها: تنتظرهن، وتقول: "أود أن يعرفن أنهن لسن بمفردهن، وإذا شعرن بالوحدة، فنحن هنا، نعد لهن مكانًا، ونريدهن أن يعدن اكتشاف الكرامة في حياتهن، وأقول لهن بأننا نريدهن أن يعرفن أننا سعداء جداً بالترحيب أيضاً بالكنوز الرائعة التي يجلبنها معهن في أرحامهن". إذا كنت بحاجة لمساعدة من الأخت كيارا، يمكنك العثور على ديرها في Sorelle Minori del Cuore Immacolato, Via Gualtiero, 17, Caltagirone.

أو يمكنك الاتصال بالهاتف المحمول 393278149152+.

 

للمزيد