صار التدفق الكبير للمهاجرين يضغط على موارد قبرص، الدولة صغيرة الحجم ضمن دول الاتحاد الأوروبي. مؤخراً، اكتشفت السلطات مشروعاً مشكوكاً فيه تابع للتعليم العالي في شمال الجزيرة، وتعتقد أنه من بين العوامل المسؤولة عن زيادة نسبة الأعداد. وهي طريقة أخرى تستغلها عصابات الاتجار في البشر، لسلب المهاجرين أموالهم والتلاعب بمصيرهم.
تواجه جمهورية قبرص تدفقاً هائلاً للأشخاص الذين يتقدمون بطلبات لجوء، إذ أنها من الدول التي تجابه حدودها معضلة الهجرة في أوروبا، مما أدى إلى تغيير في تركيبة سكانها مؤخرا، إذ أصبح 5 بالمئة من سكان البلاد أجانباً، وفقًا للأرقام الحكومية. وقد برز مؤخراً أن قطاع التعليم يلعب أيضًا دورًا في هذا الاتجاه.
تختلف آليات وصول المهاجرين إلى قبرص، لكن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يصلون إليها يعبرون من شمال الجزيرة التابع لتركيا، عبر المنطقة العازلة. وشمال قبرص هي منطقة لا تعترف بها سوى دولة واحدة: تركيا. فبعد صراع هائل بين اليونان وتركيا طوال السبعينيات، أعلنت تركيا من جانب واحد أن الثلث الشمالي من الجزيرة دولة منفصلة.
نظرًا لعدم وجود اعتراف دولي بالمنطقة، فإن العديد من جوانب الحياة العامة لا تخضع للقوانين الدولية، وأحد هذه المجالات هو التعليم العالي.
جامعة واحدة لكل قرية!
على الرغم من أن عدد سكان جمهورية شمال قبرص التركية، يبلغ 326 ألف نسمة فقط، إلا أنها تضم 21 جامعة معترف بها من قبل قبرص الشمالية وتركيا فقط. تحاول هذه الجامعات جذب الطلاب الأجانب، وغالبًا ما تكون هذه الفرص الدراسية ذريعة فقط لتقريب الناس من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

ما يقارب نصف الطلاب البالغ عددهم 108 ألف طالب، الذين يدرسون في جمهورية شمال قبرص التركية في العام الدراسي الحالي أجانب، وفقًا للأرقام الرسمية التي اطلعت عليها وكالة الأنباء الفرنسية، وتحدثت عنها في تقريرها.
حوالي 17400 منهم قدموا من نيجيريا، وعددهم هو الأكبر بين الطلاب الأجانب. يليهم طلاب من جمهورية الكونغو الديمقراطية وباكستان، وفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة التعليم في جمهورية شمال قبرص التركية.
فرصة للمهاجرين وللجمهورية الشمالية!
يعتبر قطاع التعليم من القطاعات التجارية المهمة بالنسبة للدولة المعزولة في محيطها على المستوى الاقتصادي. وقد صرح وزير التعليم السابق ناظم جاويش أوغلو، أن القطاع الجامعي يشكل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة.
الرسوم الدراسية منخفضة هناك نسبيًا إذ تناهز حوالي 3000 دولار سنويًا، وفقًا لبحث أجرته وكالة فرانس برس، وهذا الوضع مربح لكل من الحكومة المعزولة إقليميا ودولياً، وأيضا للطلاب، الذين يأملون في تعزيز فرص حياة أفضل مهنيا من خلال الدراسة في جامعات قبرص الشمالية.
إضافة إلى ذلك، يدفع الطلاب الدوليون عادةً الرسوم الدراسية والتكاليف المرتبطة بها مثل رسوم الإقامة بالعملات الأجنبية - عادةً باليورو أو بالدولار الأمريكي - وهي أقوى بكثير من الليرة التركية، العملة الرسمية للجمهورية الشمالية.
في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، فالأمر دفعة قوية لاقتصاد جمهورية شمال قبرص التركية: في العام الماضي، بلغ التضخم أكثر من 80 بالمئة وفقًا للتقديرات.

دخول سهل إلى أوروبا لكن ليس الاتحاد الأوروبي!
الطالب الكاميروني ريكتوس فرانك نغونغانغ، أوضح في حديث له مع وكالة فرانس برس إن أكثر ما جذبه للقدوم إلى قبرص الشمالية، هو الدخول السهل إلى القارة الأوروبية، لكنه أوضح أن الشخص الذي أقنعه بالقدوم للدراسة في جمهورية شمال قبرص التركية، كذب عليه.
يحكي الشاب البالغ من العمر 28 عامًا أنه لم يتم تسجيله في الدورة التدريبية التي تقدم لها واختارها عند التسجيل، على الأرجح بسبب انخفاض أعداد المسجلين فيها، أو لأن هذه الدورة التدريبية لم تكن موجودة أصلا، وتم إعدادها بواسطة المجندين لجلب الطلاب الذين يدفعون المال فقط.
وأضاف أنه صدم أيضا بمكان الإقامة "كنا 10 طلاب في شقة من غرفتين"، وكلف الإيجار 300 يورو للفرد شهريا، على حد قوله.
خدع لجلب الطلاب إلى قبرص الشمالية
قال طالب نيجيري آخر لوكالة فرانس برس طلب عدم الكشف عن هويته، إنه تعرض للنصب والاحتيال بشكل واضح فيما يتعلق بشأن البلد الذي أتى إليه. وعبر الطالب النيجيري عن رضاه عن مساره الأكاديمي، لكنه وصف الوضع الاقتصادي بالسيء، حيث لم يعد التمويل من كفيله كافياً لتغطية رسومه الدراسية.
أدرك الطالب هذه "ليست قبرص التي اعتقدت أني قادم إليها". ومما زاد الطين بلة، أن الأموال التي كانت معي بدأت تنفذ، مما يعني أنه في حالة عدم دفع الرسوم الدراسية، كان سيواجه خطر الترحيل بمجرد انتهاء صلاحية تصريح الدراسة الخاص به. ليدرك الطالب النيجيري أنه محاصر في منطقة معزولة محاطة بالبحر من ثلاثة اتجاهات ومنطقة الأمم المتحدة العازلة في الاتجاه الآخر.

وظائف مربحة للمهاجرين
في محيط الجامعات بقبرص الشمالية، تنتعش وظائف عصابات الاتجار في البشر، فهم يوهمون الطلاب أنهم يقدمون لهم "سبيلاً مضمونا" نحو مستقبل أفضل على الجانب الآخر من المنطقة العازلة، مقابل مبالغ طائلة.
كشفت دراسة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنه في جمهورية شمال قبرص التركية "يقوم المهربون، الذين غالباً ما يقدمون أنفسهم كوكلاء للجامعات الخاصة، بتقديم خدماتهم لطالبي اللجوء المحتملين".
يسهل هؤلاء المهربون الرحلات السرية، من جمهورية شمال قبرص التركية في الشمال إلى جمهورية قبرص في الجنوب. بمجرد وصولهم إلى هناك، يتم إرشادهم حول كيفية تقديم طلبات اللجوء وماذا سيقولون للسلطات. هذا هو السيناريو الأكثر إيجابية من بين سيناريوهات أخرى ينفذها أعضاء عصابات الاتجار بالبشر في قبرص، لكن هناك مخططات ونتائج لهذه الرحلات تكون سيئة للغاية.
الجنس والعنف والشعوذة
يقول تقرير نشره مركز دراسات الهجرة والهوية والحقوق في جمهورية شمال قبرص التركية، إن الطلاب الأجانب معرضون لخطر الوقوع "في أيدي عناصر إجرامية"، مما يجعلهم غالبًا ضحايا عمليات استغلال.
تقول المنظمة الحقوقية، وهي منظمة غير حكومية في جمهورية شمال قبرص التركية، إنها ساعدت 21 طالبة من نيجيريا هذا العام، تم الاتجار بهن واستغلالهن في شبكات الجنس وتهديدهن بالعنف والشعوذة إذا لم يمتثلن للأوامر.
في الشهر الماضي، أصدرت الحكومة النيجيرية تحذيرًا بشأن "عناصر إجرامية تقدم نفسها كعملاء وتخدع الشباب النيجيريين" وتوهمهم بالآفاق الدراسية في جمهورية شمال قبرص التركية.
وفي هذا الإطار، قال الخبير التربوي صالح ساربتن لوكالة فرانس برس، إن جمهورية شمال قبرص التركية تحولت إلى مكان يجذب الشباب الذين "يريدون أن يسلكوا طريقا مختصرا إلى أوروبا".
البحث عن حلول!
أتى حوالي 16700 طالب لجوء جديد إلى جمهورية قبرص هذا العام ، وفقًا للأرقام الرسمية، معظمهم من نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وباكستان، وهي البلدان الثلاثة الأولى التي يأتي منها الطلاب إلى شمال الجزيرة المنقسمة.
وزير التعليم جاويش أوغلو تحدث مؤخراً عن مشروع قانون جديد لمواجهة هذه التهديدات، والذي سيتم من خلاله اعتماد وكلاء الجامعات لدى الوزارة، كما سيطلب من الطلاب الراغبين في الدراسة في قبرص الشمالية تقديم ضمانات مالية.
لكن رغم ذلك، من غير المؤكد إذا كان سيتم تمرير هذا القانون، فلطالما اتهمت جمهورية قبرص الشمال بتشجيع تدفق المهاجرين، معتبرة ذلك امتداداً للصراع بين تركيا واليونان.
في الأشهر الأخيرة ، تتبادل البلدان الاتهامات بارتكاب عمليات صد للمهاجرين واللاجئين على حدودهما البرية والبحرية، في حين أن الخلافات حول الحدود البحرية وكذلك النزاعات على الأراضي في بحر إيجه تستمر في خلق توتر في العلاقات بين الجارتين.
سرتان ساندرسون/ وكالة الأنباء الفرنسية/ م.ب