بدأت بولندا في بناء سياج من الأسلاك الشائكة على طول حدودها البالغة 210 كيلومتراً مع جيب كالينينغراد الروسي بهدف منع المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من العبور بطريقة غير قانونية.
تقع مزرعة كريستوف زاجاكوفسكي على بعد 400 متر من الحدود التي تفصل بلده بولندا عن روسيا. من نافذة منزله، يستطيع عمدة قرية فيلكاجي Wiłkajcie رؤية اللافتة الصفراء المكتوب عليها "الحدود الوطنية" باللغة البولندية.
إلى غاية نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، كان من الممكن التحرك في المنطقة بحرية وصولاً إلى الخط الحدودي. لكن الآن، تم إغلاق الطريق بسياج من الأسلاك الشائكة على الجانب البولندي من الحدود. وعلى بعد بضعة كيلومترات فقط من الشرق أيضاً، بدأ العمل على إنشاء الجدار. قال زاجاكوفسكي في تصريحات لـ DW: "هذا جيد، وضروري عندما تعيش بالقرب من روسيا".
لم يكن العمدة يحس بالخطر قبل تشييد السياج حسب ما يروي، لأن المنطقة كانت تخضع لحراسة مشددة من قبل حرس الحدود البولنديين، لكنه استدرك قائلاً: "عندما تنظر إلى ما يحدث في أوكرانيا اليوم، لا يمكن توقع ما قد يقدم عليه الجانب الروسي".

سياج مانع لتدفق محتمل!
أوضح وزير الدفاع البولندي ماريوس بلاشتشاك عندما أعلن عن بناء سياج حدودي جديد في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 "نريد أن نجعل هذه الحدود مانعة لتدفق جديد". وقال إن القرار يتعلق بـ "الرحلات الجوية الرابطة بين الشرق الأوسط وكالينينغراد". وبحسب تقارير إعلامية، فهناك عقود بين روسيا وكل من سوريا وبيلاروسيا وتركيا، تسهل سفر مواطني هذه البلدان إلى كالينينغراد.
في عام 2021، سافر آلاف الأشخاص إلى مينسك، عاصمة بيلاروسيا المجاورة، بهدف العبور بشكل غير قانوني من هناك عبر بولندا إلى الاتحاد الأوروبي. وخلال تلك الفترة، حدثت اشتباكات عنيفة بين مهاجرين وأفراد من قوات الأمن البولندية.
بعدها، قامت بولندا بتشييد سياج من الأسلاك الشائكة على طول حدودها الشرقية مع بيلاروسيا. تقول وكالة حرس الحدود البولندية إن عدد المحاولات لعبور الحدود بشكل غير قانوني قد انخفض منذ ذلك الحين، من 17000 في تشرين الأول/أكتوبر 2021 إلى أقل من 1500 في تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام.
كاميرات وسياج وكواشف حركة!
الهدف اليوم هو حماية المنطقة المجاورة لكالينينغراد على الحدود الشمالية للبلاد بسياج مماثل. تم الانتهاء من الكيلومترات الخمسة الأولى في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم.
عند اكتماله، سيبلغ طول الحاجز أكثر من 200 كيلومتر وعرضه ثلاثة أمتار وارتفاعه 2.5 متر. سيكون عبارة عن سياج من الأسلاك الشائكة، وسيتم تركيب الكاميرات وأجهزة الاستشعار تحت الأرض في وقت لاحق.
حتى الآن، لم يعبر الكثير من الأشخاص الحدود من كالينينغراد بشكل غير قانوني: سجلت وكالة حرس الحدود البولندية 11 حالة فقط بين كانون الثاني/يناير ونهاية أيلول/سبتمبر 2022. كان معظم الأشخاص العابرين بشكل غير قانوني من مهربي التبغ، وليسوا مهاجرين. رغم ذلك، أبرزت استطلاعات للرأي أن ثلثي البولنديين يؤيدون السياج الحدودي الجديد.

الخوف من هجوم روسي
أوضحت أورسولا، التي تعيش في بلدة غولداب (يبلغ عدد سكانها 14000 نسمة)، على بعد أربعة كيلومترات فقط من الحدود، أن "المهاجرين ليسوا هم أكبر مخاوفنا، لكن كلما زادت الحماية ضد روسيا كان ذلك أفضل". شاب آخر، تحدث أيضاً إلى DW قائلاً: "يوماً ما ستهاجم روسيا بولندا أيضاً".
لا شك لدى أورسولا في أن بولندا بحاجة كبيرة لهذا السياج الحدودي، حتى أنها أعلنت عن تفكيرها في مغادرة البلاد قائلة: "بعد 30 عاماً في الولايات المتحدة، عدت إلى بولندا عندما بلغت سن التقاعد. لكني الآن أشعر بعدم الأمان هنا لدرجة أنني أفكر في العودة إلى أمريكا".
انتقادات
زبيغنيو سودول، مدير مركز للعلاج بالأكسجين في غولداب، لا يتفق مع هذا الرأي، إذ يقول "لا أعرف ما إذا كانت الأسلاك الشائكة ستوقف اللاجئين، أم أنه من الأفضل لبولندا أن تتبنى سياسة هجرة أفضل من الحالية". وأضاف في تصريحه لـ DW: "إذا أطلقت روسيا صواريخها، فإنها ستطير لمسافة 500 كيلومتر فوق رؤوسنا، لا يوجد سياج يمكن أن يوقفها".
وأضاف سودول قائلاً إن ما كان يفعله بوتين في أوكرانيا كان "وحشياً"، لكن هناك "أناس عاديون" في روسيا أيضاً، مشيراً إلى أن المواطنين في بولندا وكالينينغراد قد استفادوا من حركة المرور الحدودية المنتظمة التي كانت قائمة حتى عام 2015.
كما وجهت المعارضة البولندية وناشطون انتقادات شديدة اللهجة. ناشطة حقوق الإنسان وعضو البرلمان الأوروبي جانينا أوشوجسكا نشرت تدوينة على تويتر توبخ من خلالها رئيس الوزراء والحكومة البولندية قائلة: "لقد أنفقت 350 مليون يورو على 'جدار' على الحدود البولندية البيلاروسية، والآن تريد بناء جدار آخر؟ اتبع القانون ولوائحه! إنها أرخص وأكثر فعالية".

حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي!
لكن الأصوات المنتقدة مثل هذه نادرة في بولندا، فعندما يتعلق الأمر بالأمن، تتفق مواقف الحكومة مع مواقف المعارضة. قالت بولينا بياسيكا، مديرة "مركز دراسات الإرهاب" في "جامعة كوليجيوم سيفيتاس" في وارسو: "هذا ليس مفاجئاً، فعندما نتصدى لتهديد من الدولة التي بدأت الصراع مع أوكرانيا، فمعارضة القرار ليست متوقعة".
وأشارت المتحدثة إلى أن بولندا مسؤولة أيضاً عن حماية جزء من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وأوضحت بياسيكاف في تصريحها لـ DW: "إن الاستثمار في الأمن على الحدود مع كالينينغراد ليس فقط لمواطني بولندا، ولكن أيضاً لكامل منطقة شنغن"، مضيفة أن السياج الحدودي يعزز أيضاً الإحساس بشعور سكان المنطقة بالأمن.
الخطر المحدق بالمنطقة يجعل الكثير من المواطنين في حالة من التأهب. من بينهم كريستينا، والدة زاجاكوفسكي البالغة من العمر 73 عاماً، والتي بدأت بتخزين البطاطس والعسل والبيض من مزرعتها. تقول "لدينا قبو كبير أسفل المزرعة، حيث يمكننا الاختباء لبعض الوقت في حالة وجود خطر. بغض النظر عن مصدرالخطر، من المهاجرين أو من هجوم روسي، فأنا لن أغادر منزلي".
مونيكا سيرادزكا / م.ب