أبحرت سفينة الإنقاذ الخيرية "اوشن فايكينغ Ocean Viking" في أول مهمة لها في عام 2023. على متن السفينة، بدأ الطاقم في التعامل مع قانون إيطالي جديد يقيد قدرتهم على إنقاذ الأشخاص المعرضين للخطر في البحر. على ماذا ينص القانون الجديد؟
بعد تنفيذها لمهمة إنقاذ عقب فترة وجيزة من عيد الميلاد، انطلقت السفينة أوشن فايكنغ في مهمة هي الأولى في العام الجديد. غادرت سفينة الإنقاذ الخيرية ميناء رافينا بشمال إيطاليا وتتجه جنوبا نحو وسط البحر الأبيض المتوسط.
على متن السفينة، بدأ الطاقم في التعامل مع قانون إيطالي جديد يقيد قدرتهم على إنقاذ الأشخاص المعرضين للخطر في البحر.
تقول لويزا البيرا، منسقة البحث والإنقاذ في منظمة "اس او اس ميديترينييه SOS Méditerranée غير الحكومية على متن سفينة اوشن فايكينغ: "تم وضع هذا القانون بشكل واضح للتمييز ضد السفن المدنية العاملة في وسط البحر الأبيض المتوسط التي تقوم بالبحث والإنقاذ".. "إنها حملة ضد المنظمات غير الحكومية بشكل أساسي".
القانون، الذي وقعه الرئيس الإيطالي يوم الإثنين (2 يناير/كانون الثاني 2023)، يحد فعليًا من عدد سفن المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الإنقاذ والتي يمكن أن تقوم بها في عملية نشر (خروج) واحدة في البحر.
ولا يصل القانون إلى حد إجبار السفن على مخالفة القانون البحري الدولي، الذي يلزمها بمساعدة من هم في محنة، لكن بدلاً من ذلك يطلب القانون الجديد من سفن المنظمات غير الحكومية الانتقال فورًا إلى "ميناء أمان" تحدده السلطات بمجرد إجراء عملية الإنقاذ. وتقول السلطات إن الإنقاذ بموجب القانون البحري لا يكتمل إلا بعد إنزال الأشخاص في مكان آمن.
ويعني ذلك أنه على عكس القاعدة السابقة التي تعمل وفقها سفن المنظمات غير الحكومية والتي تقوم بعمليات إنقاذ متعددة في عملية نشر واحدة أثناء انتظار توفير ميناء أمان، فإنه يجب أن تعود إلى الميناء بعد عملية إنقاذ واحدة فقط، الأمر الذي دفع عدة منظمات غير حكومية لاتهام السلطات الإيطالية بوضع خطة يتم فيها إبعاد سفن الإنقاذ عن منطقة الإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط لأطول فترة ممكنة.

موانئ بعيدة عن منطقة الإنقاذ
كان هذا النهج الجديد واضحًا بالفعل في نهاية عام 2022، إذ تم تخصيص موانئ أمان على الفور بعد عمليات الإنقاذ للعديد من سفن المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك أوشن فايكنغ، لكن الموانئ كانت في شمال إيطاليا وتحتاج إلى عدة أيام من الإبحار للوصول إليها، بدلاً من الرسو في الموانئ الأقرب في الجنوب.
فوجئ طاقم أوشن فايكنغ بتحديد ميناء آمن لترسو فيه بعد ساعات قليلة فقط من إنقاذ 113 شخصًا كانوا على متن قارب مطاطي في 27 ديسمبر/كانون الأول 2022، على بعد حوالي 160 كيلومترًا شمال طرابلس. لكنهم شعروا بالفزع عندما علموا أن ميناء الأمان كان رافينا، والذي يقع على بعد حوالي 1600 كيلومتر من موقعهم.
قال أحد أعضاء طاقم أوشن فايكنغ لـمهاجر نيوز إنها حيلة "ذكية للغاية"، فيما قال آخر: "لقد وجدوا الطريقة المثلى لإبطائنا".
وقالت منظمة اس او اس ميديترينييه في بيان لها إنها "قلقة للغاية" من القانون الجديد، واصفة إياه بأنه "يضيف مجموعة من القواعد غير الضرورية والتمييزية في أنشطة البحث والإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط".
لكن لويزا البيرا والتي كانت على متن سفينة اوشن فاينكينغ، كانت أكثر دقة، فقالت: "الأثر العملي (للقانون) هو أننا سنبقى أيامًا أقل في منطقة العمليات وبالتالي يمكن أن يموت المزيد من الناس. إنه قرار عملي للغاية: كلما قل وجودنا في البحر، زادت فرصة موت الناس لأنه لا أحد يقدم المساعدة. "
حكومة جديدة لتضييق الخناق على المهاجرين
انتُخبت الحكومة الإيطالية اليمينية الجديدة على خلفية واضحة تماماً تحمل وعودًا بالحد من الهجرة غير النظامية من شمال إفريقيا.
اتهمت الحكومة الجديدة سفن المنظمات غير الحكومية مثل اوشن فايكينغ بالعمل بفعالية كخدمة مكوكية بين ليبيا و أوروبا. وكانت رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني، قد أشارت في السابق إلى هذه السفن باسم "سفن القراصنة".
ترفض منظمة اس او اس ميديترينييه هذا الاتهام، وتؤكد أنها ملتزمة في عملها بالقانون البحري الدولي وخاصة تقديم المساعدة للأشخاص المنكوبين. وتصر المنظمة على أن عملياتها تتوافق مع القانون البحري وأنها تتعاون بشكل كامل مع السلطات ذات الصلة.
تقول لويزا البيرا: "نقوم بتنبيه السلطات في كل خطوة نتخذها تجاه حالة استغاثة محتملة".. "نحن نعمل بالفعل ضمن إطار قانوني صارم. أعتقد أن اتهامنا بأننا قراصنة أمر متطرف بعض الشيء".

رب ضارة نافعة
على الرغم من المخاوف بشأن ترك أشخاص خلفهم دون إنقاذ، رحب طاقم السفينة بوجه عام بالأخبار الخاصة بتحديد ميناء أمان على الفور، وذلك على عكس فترات الانتظار الطويلة سابقاً، ما يتيح للطاقم تقديم ضمانات أفضل للناجين، والذين غالبًا ما يصابون بالضيق بعد أيام أو حتى أسابيع من عدم اليقين بشأن مستقبلهم. في الوقت نفسه، يسمح القرار للناجين المحتاجين للرعاية الطبية بأن يتم تسليمهم بسرعة إلى السلطات الطبية المحلية.
يقول عامل طبي على متن سفينة أوشن فايكنغ، والتي لديها مرافق طبية محدودة: "لا يوجد ما هو أسوأ بالنسبة لك كمسعف من رؤية شخص يعاني من حالة خطيرة ينتظر ما بين ثمانية إلى أربعة عشر يومًا دون الحصول على رعاية طبية مناسبة".
من ناحية أخرى، أعرب المسعف عن قلقه من أن قلة قوارب المنظمات غير الحكومية في منطقة الإنقاذ قد تعني أن الأشخاص الذين يعانون من محنة في البحر يعانون من حالات طبية خطيرة ينتظرون لفترة أطول قبل أن يتم إنقاذهم، إذا تم إنقاذهم من الأصل، وقد تتدهور أوضاعهم دون مراقبة.
مسار تصادمي
يهدد القانون الجديد المنظمات غير الحكومية بغرامات باهظة تصل إلى 50 ألف يورو واحتمال مصادرة سفن لانتهاكها إياه. قد يضع هذا الأمر سفنًا مثل أوشن فايكنغ في موقف تُجبر على الاختيار ما بين أن تنتهك التزاماتها بموجب القانون البحري من خلال ترك قارب في محنة - وهو أمر لا يعتبره الطاقم احتمالًا - وتعارضه مع القانون الجديد، وما بين انتهاك القواعد عن طريق إجراء عمليات إنقاذ إضافية بعد الحصول على ميناء أمان للرسو فيه. تقول ألبيرا: "بالطبع، هذا (الموقف) يمكن أن يحدث.
في أحدث مهمة لها، تم تنبيه أوشن فايكنغ إلى وجود قاربين آخرين في محنة في طريق العودة إلى ميناء رافينا بعد أن نفذت عملية إنقاذ واحدة. في هذه الحالات، يبدو أن خفر السواحل الليبي قد اعترض القوارب، وأخذ القرار من بين يدي أوشن فايكنغ. ولكن بالنظر إلى الطقس الصافي خلال المهمة الحالية، فمن المرجح أن تظهر هذه المشكلة مرة أخرى ويزداد عدد القوارب.
تقول ألبيرا: "بالطبع ، سأفكر مرتين".. "إذا كان هناك (قارب في محنة) ولم يقدم أي شخص آخر المساعدة ، فنحن بحاجة للذهاب إليه".. تصمت قليلاً ثم تقول متسائلة: "لكن ما النتائج التي قد تترتب على ذلك ؟ من يدري؟".
فراي ليندسي/ع.ح.