رجل ينظر إلى البحر من سفينة الإنقاذ 1 SOS Humanity
رجل ينظر إلى البحر من سفينة الإنقاذ 1 SOS Humanity

ينتظر أن يكون المرسوم الجديد الذي قدمته الحكومة الإيطالية اليمينية المتطرفة الجديدة سببا في الحد بشكل كبير من إمكانية المنظمات الإنسانية في مهامها المتعلقة بالإنقاذ البحري، مما يجعل طريق البحر الأبيض المتوسط أكثر خطورة على المهاجرين. مهاجر نيوز حاول فهم ما يحصل بالحديث إلى المنظمات المعنية، ونقل مخاوفهم في التقرير التالي.


كان للمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال البحث والإنقاذ حضوراً دائم في منطقة البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، سعياً منها إلى سد الفجوة التي خلفها الافتقار إلى عمليات البحث والإنقاذ التي تنظمها الدول المعنية.

العديد من دول الاتحاد الأوروبي تنفذ سياسات هجرة أكثر صرامة في الآونة الأخيرة، وتجرم عمل المنظمات غير الحكومية التي تقوم بأنشطة البحث والإنقاذ.

مرسوم قانون جديد قدمته الحكومة الإيطالية في بداية العام، يحدد مدونة قواعد سلوك لسفن الإنقاذ التي تسعى إلى الرسو في إيطاليا، تحد من قدرات البحث والإنقاذ للمنظمات غير الحكومية الساعية للاستجابة للقوارب المعرضة للخطر. وتحذر المنظمات غير الحكومية من أن هذه الخطوة ستجعل منطقة وسط البحر الأبيض المتوسط، أحد أكثر طرق الهجرة فتكًا في العالم والأكثر خطورة على الإطلاق.

متحدث باسم منظمة أطباء بلا حدود قال في تصريح لمهاجر نيوز، إن المنظمات غير الحكومية قلقة بشأن عواقب هذه الإجراءات الجديدة "ما نخشاه هو أن المرسوم الجديد، مثل باقي الإجراءات، يهدف إلى تقييد عمل منقذ للحياة، لن يجعل عمليات الإنقاذ في البحر أكثر فاعلية أو يساهم في جعل العبور أكثر أمانًا، على العكس تماما، سيؤدي إلى المزيد من القتلى".

سفينة الإنقاذ Sea-Eye 4 في البحر الأبيض المتوسط
سفينة الإنقاذ Sea-Eye 4 في البحر الأبيض المتوسط


تدابير جديدة تحد من عمليات الإنقاذ!

في حديثها لمهاجر نيوز، أبرزت ميركا شايفر، عن منظمة SOS Humanity غير الحكومية التي يوجد مقرها في برلين، تأثير الإجراءات الجديدة قائلة "ستُجبر سفن الإنقاذ الخاصة الآن على مغادرة منطقة العمليات فور تنفيذ عملية الإنقاذ، حتى لو كانت قوارب أخرى تحتاج مساعدة. وبعدم التزامها بهذه القواعد الصارمة، تخاطر المنظمات غير الحكومية بغرامات تصل إلى 50 ألف يورو ومصادرة سفنها.

وقد اتهمت المنظمات الحقوقية مرارًا الحكومة الإيطالية بعرقلة جهود الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط. وتؤكد منظمة أطباء بلا حدود أن المنظمات غير الحكومية "أثقل كاهلها بسبب عدم وجود عملية البحث والإنقاذ التي تديرها الدولة، كما أن انخفاض عدد سفن الإنقاذ سيؤدي حتماً إلى المزيد من حوادث الغرق".

إن تقييد عدد عمليات الإنقاذ التي يمكن للسفينة القيام بها، سيضع القباطنة في انتهاك لواجبهم القانوني في تقديم المساعدة للأشخاص المعرضين للخطر على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) ، مما يجبرهم على اتخاذ قرارات تتعارض إما مع القانون الدولي أو مدونة السلوك الإيطالية الجديدة.

الركاب الذين تم إنقاذهم على متن 1 Humanity بملابسهم المبللة التي قاموا بتعليقها لتجف
الركاب الذين تم إنقاذهم على متن 1 Humanity بملابسهم المبللة التي قاموا بتعليقها لتجف


إلزام السفن بالتواجد في موانئ بعيدة!

تشرح ميركا شايفر لمهاجر نيوز أنه "في الآونة الأخيرة، اضطرت سفن الإنقاذ إلى التواجد بموانئ بعيدة مثل باري وساليرنو وليفورنو ورافينا، مما عرّض الناجين من حوادث الغرق لمخاطر كان يمكن تجنبها، كما قلل قدرة الإنقاذ الإجمالية في البحر الأبيض المتوسط".

تخصيص موانئ بعيدة للإنزال، سيبقي سفن الإنقاذ بعيدة لأيام عن منطقة البحث والإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط حيث تحدث معظم حالات الاستغاثة. وتشير منظمة أطباء بلا حدود إلى أن هذا يمكن أن يؤدي إلى تأخيرات كبيرة في وصول المهاجرين إلى بر الأمان، الأمر الذي قد يستغرق "ما يصل إلى أربعة أيام من موقع السفن". هذا الأمر يمكن أن يمنع الوصول إلى الرعاية الطبية المنقذة لحياة المهاجرين الذين تم إنقاذهم.

تقول منظمة أطباء بلا حدود إن الوقت عامل أساسي أثناء عمليات البحث والإنقاذ، وبالتالي فإن الاضطرار إلى التنقل لمسافات أطول "سيعرض الأشخاص الذين يحتاجون للإنقاذ لمزيد من المخاطر وهو أمر غير مقبول". وشددت المنظمة على أن استراتيجية إيطاليا الجديدة أدت عمليًا إلى "تأخيرات خطيرة في عمليات الإنقاذ، وأحيانًا غرق المهاجرون لأنه لم يتم تنسيق المساعدة في الوقت المناسب".

ماكسيميليان جيمس، المتحدث باسم Sea-Eye، وهي منظمة غير حكومية ألمانية، وصف الصعوبات التي واجهتها مهمة Sea-Eye الأخيرة، حيث خصصت إيطاليا ميناء ليفورنو لسفينة الإنقاذ الخاصة بالمنظمة، وطلب منهم الإبحار إلى هناك فوراً بعد عملية الإنقاذ الأولى، على الرغم من وجود أشخاص آخرين في حاجة للمساعدة.

 ركاب سفينة الإنقاذ 1 Humanity، بعد عملية إنقاذ في البحر الأبيض المتوسط.
ركاب سفينة الإنقاذ 1 Humanity، بعد عملية إنقاذ في البحر الأبيض المتوسط.


يقول جيمس"لأننا أنقذنا 63 شخصًا، طلب منا التوجه للميناء، كان يمكننا إنقاذ 45 شخصًا إضافيًا بعد ستة أيام. لكن بذهبنا مباشرة إلى ميناء ليفورنو، فمن المحتمل جدًا أن يكون هؤلاء الأشخاص قد ماتوا. من واجبنا كما هو واجب كل سفينة، إنقاذ المهاجرين في البحر".

السفن ليست مكانًا لطلب اللجوء!

بموجب القواعد الإيطالية الجديدة، يتعين على القباطنة المشاركة في عملية اللجوء، من خلال إلزامهم بجمع البيانات على متن سفن الإنقاذ من الناجين فيما يتعلق بنيتهم التقدم بطلب للحصول على الحماية الدولية ومشاركة هذه المعلومات مع السلطات.

ميركا شايفر، عن منظمة SOS Humanity، ترى أنه من واجب الدول الشروع في إجراءات اللجوء، لكن سفينة الإنقاذ "ليست المكان المناسب لذلك".

وتوافق منظمة أطباء بلا حدود على ذلك، مشيرة إلى أنه من واجب الدول الشروع في هذه العملية لكن في شروط معينة. وقالت "يجب التعامل مع طلبات اللجوء بعد رسو السفينة ووجود المهاجرين على الأرض، أي بعد النزول في مكان آمن، بعد توفير الاحتياجات العاجلة مثل المساعدة الطبية".

وقد تم التأكيد على هذه الشروط مؤخرًا من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في اعتباراتها القانونية بشأن مسؤوليات الدول في البحث والإنقاذ والحصول على اللجوء.

مهاجرون ينزلون من سفينة الإنقاذ 1 Humanity التي تديرها منظمة إس أو إس هيومانيتي.
مهاجرون ينزلون من سفينة الإنقاذ 1 Humanity التي تديرها منظمة إس أو إس هيومانيتي.


المعاهدات القانونية الدولية للإنقاذ البحري!

يوجد إطار قانوني شامل ينظم عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك:

اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) 

الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ البحري (اتفاقية البحث والإنقاذ البحري)

الاتفاقية الدولية لحماية الأرواح في البحر (اتفاقية سولاس أو اتفاقية لندن) - التي دخلت حيز التنفيذ في إيطاليا عام 1980 

لائحة الاتحاد الأوروبي رقم 656/2014 بتاريخ 15 مايو 2014.

تلتزم جميع الدول الساحلية في الاتحاد الأوروبي بهذه الاتفاقيات البحرية الدولية، التي تحدد واجبات الدولة من حيث الاستجابة لحالات الاستغاثة وتنسيقها وتنظيم إنزال الناجين في أقرب مكان آمن.

تقع الالتزامات المتعلقة بالبحث والإنقاذ على عاتق ربابنة السفن، ولكنها تقع أيضًا على الأنواع الثلاثة من الدول المعنية، والدول الساحلية ، والدول المسؤولة عن منطقة البحث والإنقاذ أو دول العلم، على سبيل المثال: ألمانيا (فيما يتعلق بالمنظمة غير الحكومية الألمانية Sea-Eye التي ترفع العلم الألماني على سفينتها).

البلدان الموقعة على الاتفاقيات القانونية الدولية، مطالبة بتنزيل هذه القوانين في قوانينها الوطنية، رغم ذلك تشير منظمة أطباء بلا حدود إلى أن دولًا من بينها إيطاليا ومالطا انتهكت هذه المبادئ مرارًا خلال السنوات الماضية.

كما أن القوانين الإيطالية الجديدة قد تخلق قضايا صراع قانونية بين دول الاتحاد الأوروبي "فقانونها الجديد يتعارض بشكل كبير مع القانون الأوروبي، والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان" يقول جيمس. مضيفًا أن "Sea-Eye لن تتبع أي مدونة سلوك غير قانونية أو أي توجيه رسمي آخر ينتهك القانون الدولي أو قوانين دولتنا".

الاتحاد الأوروبي حريص على التعاون مع دول مثل ليبيا لمواجهة تحديات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط.
الاتحاد الأوروبي حريص على التعاون مع دول مثل ليبيا لمواجهة تحديات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط.


من سيء إلى أسوأ!

أشار جيمس أنه حتى قبل مدونة السلوك الجديدة كان التعاون من الجانب الإيطالي "غير فعال"، وأكدت شايفر أنه بالإضافة إلى ذلك، استعملت إيطاليا أساليب "غير القانونية" لمنع الناجين على متن سفينتي الإنقاذ Humanity 1 و Geo Barents من النزول في صقلية العام الماضي.

وتوافق منظمة أطباء بلا حدود على أن هذه ليست ظاهرة جديدة، مشيرة إلى أن المنظمات غير الحكومية واجهت "عقبات كبيرة" في عملها خلال السنوات القليلة الماضية. ووصفت القواعد الجديدة بأنها "أحدث محاولة لمنع وصول الوافدين إلى الشواطئ الأوروبية".

وتنتقد منظمة أطباء بلا حدود عدم وجود عملية مشتركة منسقة للبحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط ، مشيرة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي "تسند بدلاً من ذلك لخفر السواحل الليبي لاعتراض الأشخاص الذين تم إنقاذهم وإعادتهم قسراً إلى ليبيا، حيث يتعرضون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل التعذيب وغيره من أنواع سوء المعاملة".

بعض المهاجرين الذين أنقذتهم جيو بارنتس في البحر الأبيض المتوسط في 22 أغسطس 2022
بعض المهاجرين الذين أنقذتهم جيو بارنتس في البحر الأبيض المتوسط في 22 أغسطس 2022


تجريم عمل المنظمات غير الحكومية والمتطوعين!

توضح ميركا شايفر أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، حاولت الدول الأوروبية، وخاصة إيطاليا، عرقلة أنشطة البحث والإنقاذ المدنية من خلال التشهير والمضايقات الإدارية، وكذلك من خلال تجريم المنظمات غير الحكومية والنشطاء المتطوعين.

لم يتم ذلك فقط عن طريق تأخير تخصيص ميناء أمان، ولكن أيضًا عن طريق "احتجاز سفن الإنقاذ، والمتابعات الجنائية ضد الناجين وأفراد الطاقم، والروايات السامة والأخبار الكاذبة عن عدم الامتثال للقانون الدولي للمنظمات غير الحكومية للبحث والإنقاذ"، حسب قولها.

تقول شايفر أنه على الرغم من عدم وجود إدانات في محاكمة واحدة ضد المنظمات غير الحكومية التابعة لمنظمة البحث والإنقاذ، فقد أخفقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في أداء واجباتها الإنسانية.

وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن المرسوم الإيطالي الجديد "يجب أن يخلق رد فعل قوي وواضح من قبل المؤسسات الأوروبية والدول الأعضاء". "يجب أن يشعر الجميع في أوروبا بالقلق إزاء ما يحدث في إيطاليا في الوقت الحالي ويجب حث الحكومة الإيطالية على سحب المرسوم".

بالنسبة لجيمس، فإن إن سي آي "لن تخيفها الحكومة الإيطالية. وتؤكد شايفر على الأهمية التي توليها المنظمات غير الحكومية لدعم المعاهدات القانونية الدولية: "لا توجد حكومة ولا قانون وطني يمكن أن يقيد واجب الإنقاذ في البحر كما هو منصوص عليه في القانون البحري الدولي".

تتعهد المنظمات غير الحكومية الثلاث بمواصلة العمل بالامتثال الكامل للقانون الدولي، وتطلب من الحكومات الأوروبية أن تفعل الشيء نفسه.

ناتاشا ميلرش/ م.ب

 

للمزيد