في الوقت الذي تشهد فيه المناطق الحدودية الفرنسية مع إيطاليا توافد المزيد من المهاجرين، تطالب السلطات المحلية الدولة بإيجاد حلول مستدامة وتأمين أماكن إضافية وتوزيع المهاجرين على باقي المدن الفرنسية. فيما تندد الجمعيات الحقوقية بسياسة الدولة، مشددة على ضرورة الالتزام برعاية القاصرين غير المصحوبين بذويهم.
أطلقت السلطات المحلية في جنوب شرق فرنسا بالقرب من الحدود الإيطالية، نداء إلى الحكومة للاستجابة للـ"الانفجار" في أعداد المهاجرين الوافدين إليها، بعد أن وصل إلى المحافظة عدد قياسي من القاصرين غير المصحوبين بذويهم في عام 2022.
أشار رئيس مجلس مقاطعة الألب ماريتيم، تشارلز أنجي جينيسي، في بيان صحفي نشر أمس الأربعاء، إلى أنه دعا "قبل أسبوع وزير الداخلية" من أجل أن تتحمل الدولة مسؤوليتها "في مواجهة الهجرة الجماعية" على الحدود الفرنسية الإيطالية في بلدة منتون، التي تعد بوابة دخول لهؤلاء الوافدين الجدد.
وقال إنه لا يزال بانتظار قرارين من الدولة، يتعلق الأول "بتسريع الإجراءات القانونية اللازمة لتوزيع هؤلاء المهاجرين على مختلف المناطق". أما الطلب الثاني يتعلق بتوفير أماكن استقبال إضافية "لتأمين الحماية الفورية لهؤلاء القاصرين".
فيما تستنكر الجمعيات المحلية الحقوقية سياسة الدولة معتبرة أن "سوء الإدارة" هو ما يؤدي إلى حدوث أزمة استقبال.
مراكز ممتلئة
والأسبوع الماضي، أشارت محافظة ألب ماريتيم إلى أن ما يقرب من 700 قاصر غير مصحوبين يتلقون الرعاية حاليا من قبل القسم، وأن مراكز الاستقبال كانت تبلغ طاقتها الاستيعابية القصوى. وأوضحت أن أعداد الوافدين خلال الشهر الأول من العام الجاري "لا تزال مرتفعة جدا"، لذلك فإن "المراكز ممتلئة بالرغم من زيادة الاماكن". وأشارت إلى أن مسؤولية استقبال هؤلاء القاصرين تقع على عاتق المقاطعة.
لكن رئيس مجلس المقاطعة تشارلز أنجي جينيسي يستنكر سياسة الدولة ويأسف "لصمت الحكومة"، مشيرا إلى أنه وضع 25 قاصرا في فندق يقع في أنتيت يوم الثلاثاء الماضي للاستجابة للوضع الراهن.
وقال "نحن ضحايا لغياب سياسة هجرة أوروبية منسقة، تقع مسؤوليتها على عاتق الدولة وليس على إدارة مستقلة".
"انتهاك واضح".. احتجاز 18 مهاجرا في غرفة صغيرة لأيام عدة
من جانبها، تستنكر الجمعيات الإنسانية ظروف استقبال المهاجرين الذين يتخذون مخاطر عدة قبل الدخول إلى الأراضي الفرنسية. إذ غالبا ما يحاول المهاجر مرات عديدة قبل أن يتمكن من عبور الحدود وتجنب دوريات الشرطة والرقابة المشددة المفروضة على هذه المنطقة منذ العام 2015.
ومنذ حوالي أسبوعين، عبرت في منتصف شهر كانون الثاني/يناير الماضي مجموعة مؤلفة من 18 مهاجرا، تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عاما، الحدود من إيطاليا إلى فرنسا، لكن شرطة الحدود الفرنسية أوقفتهم بعد اجتيازهم الحدود واحتجزتهم في غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 25 مترا، حيث بقوا لأيام عدة.
للمزيد>>> في مدينة نيس الفرنسية.. مهاجرون يُعتقلون فور مغادرتهم مكاتب رعاية الأطفال
احتجاز المهاجرين لعدة أيام في هذه الغرفة، والتي "ليست مكانا مخصصا للاحتجاز لدى الشرطة، ولا مكانا مخصصا لاحتجاز الأجانب"، هو "غير قانوني" لأنه لا تتوفر فيها الالتزامات القانونية المفروضة على هذا النوع من الأماكن، (مثل الدعم القانوني أو الصحي)، والسلطات تكون بذلك ارتكبت "انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان"، حسب تعبير ديفيد نكاش، رئيس جمعية "Tous Citoyens" خلال حديثه مع مهاجرنيوز.
وتلقي الجمعيات اللوم على الدولة، معتبرة أن ما حدث هو بسبب عدم وجود أماكن كافية لاستقبال الوافدين الجدد لا سيما القاصرين غير المصحوبين بذويهم. إذ يتوجب على الدولة حماية أي شخص لا يتجاوز سن الـ18 عاما وتوفير رعاية خاصة له.
وبحسب محافظة ألب ماريتيم، فهي تتكفل برعاية "690 قاصرا غير مصحوبين بذويهم"، مشيرة في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أن هذا الرقم "قياسي".
لكن من بين هؤلاء الشباب البالغ عددهم 690 قاصرا، يعيش 286 منهم فقط في بنية مخصصة فيما وضعت الآخرين مؤقتا في فنادق مدن مجاورة. ووفقا لجمعية "Tous Citoyens"، يوجد حاليا أكثر من 100 قاصر في فنادق في مدينة نيس الساحلية.
يجب إعادة النظر بسياسة الاستقبال
وعلى مدى العام الماضي، قالت الدولة إنها تكفلت بإيواء 4,909 قاصرين غير مصحوبين بذويهم، معظمهم من أصل أفريقي، مقارنة بحوالي أربعة آلاف في العام 2021.
ومع زيادة عدد الوافدين كل عام، تعتقد الجمعيات في المنطقة أنه من الممكن تجنب استقبال المهاجرين ضمن هذه الظروف.
للمزيد>>> المهاجرون على الحدود الفرنسية الإيطالية: "غموض" في أماكن احتجاز "تفلت من الرقابة القضائية"
وانتقد ديفيد نكاش سياسة الدولة قائلا "ندين عدم ترقب الإدارة المحلية في مواجهة هذه الأزمة الإنسانية"، ويقترح إقامة "مركزين جديدين للاستقبال، أحدهما للمأوى الطارئ والآخر للسكن المطول" بدلا من محاولة "إيجاد حلول سريعة غير فعالة في كل مرة".
وختم حديثه قائلا "إنها سياسة الاستقبال برمتها التي تحتاج إلى إعادة النظر. سوء الإدارة والنتائج المترتبة عن ذلك يعززان من تصور بأن فرنسا غارقة بالمهاجرين".