وضع كارثي وهزات ارتدادية مستمرة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا فجر الإثنين 6 شباط/فبراير، وخلّف وراءه آلاف القتلى والجرحى وزاد من هشاشة وضع مئات آلاف السوريين الذين نزحوا إلى مدن جنوب تركيا على مدى العقد الماضي.
"لا أستطيع تحريك يدي، فيها انتفاخ شديد.. أشعر بألم كبير وفوقي أحجار كثيرة.. آه يا قلبي.. الصبر يا ربي.. أتألم بشدة.. سامحوني إن أخطأت بحقكم".. كلمات قليلة يقاطعها بكاء شاب سوري عالق تحت الأنقاض في ولاية ملاطيا التركية جنوب البلاد، تمكن من فتح هاتفه والاتصال بصديقه للاستنجاد به.
يحاول الشاب السوري عامر*، المتحدر من محافظة حمص شرح وضعه الكارثي لصديقه الذي سجّل المكالمة وتمكن فريق مهاجرنيوز من الاستماع إليها، بانتظار أن تصل إليه فرق الإنقاذ قبل أن يستسلم للألم بشكل كامل.
وضع الشاب العالق تحت الأنقاض، يماثل في روعته مئات الأشخاص الآخرين الذين لا يزالون عالقين تحت ركام الأبنية المتهدمة جراء الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا وسوريا فجر الإثنين 6 شباط/فبراير.
تخطى مجمل عدد الضحايا الذين سقطوا جراء الزلزال في تركيا وسوريا خمسة آلاف قتيل و24 ألف جريح، وكان لمدن جنوب تركيا النصيب الأعظم من هذه الكارثة الأكبر من نوعها في المنطقة منذ العام 1999.
للمزيد>>> زلزال يخلف مئات القتلى في تركيا وسوريا.. "وضع كارثي" في الشمال السوري
زلزال يزيد من هشاشة وضع السوريين في جنوب تركيا
في الجنوب التركي، يتركز العدد الأكبر من السوريين الذين فروا من بلادهم على مدى العقد الماضي، إذ يتجاوز عدد المقيمين في ولايات ملاطيا وغازي عنتاب وهاتاي وأورفا المليون ونصف، فيما يصل عدد السوريين المسجلين تحت "الحماية المؤقتة" في تركيا إلى ثلاثة ملايين و700 ألف لاجئ، بحسب آخر الأرقام الرسمية الصادرة عن السلطات التركية.
خالد صالح العبد (39 عاما) المتحدر من مدينة دير الزور شرق سوريا، يعيش في جنوب تركيا منذ عشرة أعوام، بعدما نجا من إصابة كادت تكلّفه حياته أثناء عمله السابق ضمن أحد المشافي الميدانية خلال الثورة السورية، بناء على تخصصه في الطب الرياضي والعلاج الفيزيائي. ومرة أخرى نجا الشاب السوري من الموت وآثار الزلزال المدمّرة التي ضربت مدينة غازي عنتاب، "استيقظتُ حوالي الساعة الرابعة والنصف صباحا على وقع انفجار وبعدها شعرت باهتزاز كبير، خرجتُ كما باقي الجيران إلى الشارع، كان المشهد مروعا والجميع كان يصرخ.. رجال ونساء وأطفال هرعوا إلى الخارج.. كان البرد شديدا وبعد وقت قليل حاول البعض الدخول من جديد إلى البناء لإحضار ثياب تقيهم من المطر والثلوج المستمرة، لكن هزة أخرى وقعت، لحسن الحظ كانت أخف شدة".
تعرض البناء المكون من أربعة طوابق لبعض التشققات بسبب الزلزال، ومع استمرار الهزات الارتدادية التي تجاوز عددها الـ300 خلال 24 ساعة بعد وقوع الزلزال الأول، لم يعد هناك من خيار أمام خالد وغيره من سكان الحي سوى التوجه إلى الساحات العامة بعيدا عن الأبنية المتصدعة والمهددة بالانهيار والتسبب بكوارث جديدة في أية لحظة.
احتمى خالد كغيره من باقي السوريين في أحد الجوامع القريبة، "أمضينا ساعات الليل المتبقية أمام باب الجامع، علما أن بناء الجامع مهترئ وليس آمن تماما. حاولنا بعدها في الصباح الذهاب إلى إحدى صالات الأفراح التي يوجد فيها 5 آلاف كرسي، لكننا تعرضنا لأبشع المواقف العنصرية المرفقة بالإهانات الموجهة لنا كسوريين. غادرت المكان على الفور، لم أتحمل مواجهة هذا الصد القاسي من الأتراك".
قرر الشاب المخاطرة من جديد والتوجه إلى منزله لمعرفة الخطوة القادمة، لكن قبل تقييمات أحد المهندسين المعماريين وتعليمات هيئة إدارة الكوارث لن يتمكن من معرفة ما إذا كان منزله سيصمد، "دخلت بشكل سريع إلى شقتي في الطابق الأرضي، والتقطت حقيبة الإسعافات الأولية، لربما أستطيع تقديم المساعدة في حال وقوع حالات طارئة".
تصاريح إذن سفر وتعقيدات إضافية تواجه السوريين
منظمة الصحة العالمية قالت الثلاثاء إن إجمالي عدد المتضررين بالزلزال المدمر قد يصل إلى 23 مليونا، ويبقى السؤال الأهم حول مدى القدرة على الاستجابة لهذه الاحتياجات الضخمة لأتراك يعانون من أزمة اقتصادية وسوريين مشردين داخل بلادهم كما في المدن الحدودية.
للمزيد>>> تركيا: احتجاز المهاجرين في ظروف صعبة قبل نقلهم إلى مركز ترحيل في إزمير
مهند بكور، ناشط سوري يتحدر من محافظة حمص، ويعيش في أورفا منذ العام 2020، اضطر أيضا إلى ترك منزله الذي تصدّع بعد الزلزال وتوجه إلى بيوت أحد الأصدقاء في ريف المدينة، "أعداد المشردين بفعل الكارثة الطبيعية غير واضحة حتى اللحظة، بسبب تزايد الاعداد بشكل كبير في كل لحظة. وتقدم بعض الجهات التركية المحلية مساعدات للمتضررين من الزلزال، فهي أقامت مخيمات في الحدائق أو داخل بيوت العزاء لكن ذلك مخصص للجميع، وبالتالي قد لا يتمكن السوريون من الحصول على تلك المساعدات القليلة مع تزايد أعداد المشردين المستمر".

تحدث مهند عن مواقف عنصرية يتعرض لها السوريون رغم هول الحدث، "شركة الطيران التركية رفضت حجوزات بعض السوريين بسبب تخصيص الحجز للمواطنين الأتراك فقط.. تتوالى الأنباء عن السوريين الذين لا يمكنهم التنقل بين المدن برا حتى لو كانت الطرق مفتوحة وذلك لأن السلطات لا تزال تطلب تصاريح إذن السفر منهم.. وهناك مراكز تبرع بالدم في محافظات تركية مختلفة لم توافق على استقبال سوريين، إذ تبعدهم بمجرد إشهارهم الهوية الصفراء (أي بطاقة الحماية المؤقتة كيملك)".
وفيما يكمل مهند حديثه مع مهاجرنيوز مساء الثلاثاء، يشعر بهزة ارتدادية جديدة "هذه هي المرة الرابعة لليوم.. تراوحت قوة هذه الهزات بين 4,1 و4,9"، لكنه يتابع مشددا على ضرورة الحصول على "الخيم والعوازل المطرية والبطانيات والاسفنج والألبسة الشتوية خاصة أن جزءا كبير من الهاربين تركوا بيوتهم دون ألبسة تقيهم من برد الثلوج المستمرة في التساقط".
ألا يحق لي فرصة الالتحاق بعائلتي؟
مع أهوال الكارثة التي ضربت جنوب تركيا، لا يعلم السوريون ما الذي ينتظرهم من مآس جديدة، فهم يعيشون أساسا ظروفا متدهورة وغير مستقرة في تركيا مهددين بالترحيل إلى شمال سوريا في أية لحظة مع إعلان الحكومة التركية نيتها بإعادة مليون سوري إلى "المناطق الآمنة"، إضافة إلى معاناتهم المستمرة للحصول على بطاقات إقامة أو حتى تصاريح "إذن سفر" للتنقل بين الولايات التركية.
سأم خالد الحياة في تركيا، "أعاني من صعوبات بيروقراطية منذ أكثر من عامين وليست لدي إقامة صالحة، بعدما انتهت آخر إقامة سياحية كنت أملكها". يضيف الشاب الذي يسعى جاهدا دون جدوى الالتحاق بشقيقيه الاثنين الذين يعيشان في فرنسا منذ سنوات عدة، "لا أستطيع العودة إلى سوريا، الأعداء كثر بالنسبة لي، فأنا على لائحة المطلوبين لدى النظام السوري، ولا مجال أساسا للعودة إلى مناطق تسيطر عليها ميليشيات تابعة لإيران أو روسيا".
الظروف المتدهورة التي يعيشها السوريون ليست متعلقة فقط بوضعهم الإداري أو الاقتصادي، وحالة خالد الصحية الهشة تقدم مثالا على وضع اللاجئين السوريين المنهكين من ويلات الحرب في بلادهم، "في آب/أغسطس 2013، تعرضت لإصابة كادت أن تودي بحياتي، ودخلت على إثرها في غيبوبة وأُصبت بشلل رباعي مؤقت. وأثناء الفترة الأولى في مشفى أورفا كان الأطباء على شك الاستسلام، لكن بفضل مساعدة عائلتي ونقلي إلى أحد المشافي الخاصة، تجاوبت أخيرا للعلاج ونجوت من الموت".
تحسّن وضع خالد الصحي مع مرور الوقت، لكنه حتى اليوم يعاني من بعض المشاكل الناجمة عن إصابته السابقة في سوريا، "لا تزال لدي آلام في الرقبة ومشاكل في الرئتين، إضافة إلى ضعف في عيني اليسرى وفي يدي وقدمي اليسرى"، ويختم قائلا "ماذا نفعل نحن السوريون؟ ألا يحق لي فرصة الالتحاق بعائلتي التي لجأت إلى أوروبا منذ سنوات عدة؟".
*اسم مستعار