عوض الاكتفاء بتوزيع الورود وتبادل التهاني في العالمي للمرأة، أو اعتباره يوما لتسليط الضوء على الإنجازات التي حققتها المرأة في مختلف الميادين كما هو شائع في العديد من البلدان، اختارت مهاجرات في ألمانيا جعل الثامن من مارس/ آذار، يوما لرفع صوتهن ضد العنصرية والتمييز الذي يعرقل حياتهن.
تعمل منظمات عديدة على تقوية الجبهة الحقوقية التي تعنى بحقوق النساء المهاجرات واللاجئات في ألمانيا، ومن بينها IWS، وهي منظمة نسائية في برلين تنشط في مجال مناهضة العنصرية والتمييز. أسستها لاجئات ومهاجرات بهدف رصد العنف والعنصرية التي تعرقل حياة النساء المهاجرات في ألمانيا، وتوثيق كل أنواع العنف والتمييز الحاصل على أساس الجنس.
تأسست جمعية "الفضاء الدولي للمرأة" في ديسمبر/ أيلول 2012، وخرجت للوجود من رحم حركة نضالية للاجئين والمهاجرين في ألمانيا تعرف بـ OPLATZ Movement كان من أهدافها المطالبة بسياسة أكثر انفتاحا على أجل المهاجرين واللاجئين تضمن لهم حق البقاء والتعليم والعمل داخل البلاد. وتم تأسيس المنظمة لمناهضة سياسات الهجرة القائمة ومكافحة العنصرية والتمييز على أساس الجنس. وفي عام 2017، تحولت الفكرة إلى جمعية غير ربحية معترف بها قانونيا.
جينيفر كامو، إحدى مؤسِسات المنظمة والمنخرطة في العمل الحقوقي والتوعوي بقوة. واللاجئة القادمة من كينيا هي المتحدثة الرسمية باسم المنظمة وأكثر أعضائها نشاطا. في حديث لها مع مهاجر نيوز، تقول كامو "النساء في هذه المنظمة لا يتحدثن من فراغ، بل من صميم معاناتهن اليومية منذ وصولهن إلى ألمانيا".
معاناة على مختلف الجبهات!
"أول ما واجهنا هو اللامبالاة، وبعد ذلك كان علينا أن نناضل بشكل فردي من أجل كسب معركة أولى لنتمكن من دراسة اللغة الألمانية، فكل ما كنا نتوصل به من وثائق إدارية بخصوص سيرورة طلب اللجوء كانت بلغة ألمانية صعبة للغاية ونحن حينها لم يكن من حقنا الحصول على فرصة لتعلم اللغة" تقول كامو.
لم يقتصر الأمر على تعلم اللغة، بل عانت النساء اللاجئات من منعهن من الحصول على تصريح العمل، ثم واجهن قرارات الترحيل التي تصدر في حقهن، حسب كامو. وتشرح المتحدثة قائلة "عندما تجمع كل تلك الصعوبات التي عانتها النساء اللاجئات بعد وصولهن مباشرة، تفهم مدى صعوبة أن تكون امرأة لاجئة في ألمانيا"، مبرزة أن هناك صعوبات تواجه المهاجرات أيضا، لكنها غالبا ما تكون أقل حدة.
كما عددت المناضلة الحقوقية الكينية، صعوبات أخرى تواجهها النساء المهاجرات في ألمانيا، خاصة اللاجئات منهن، مشددة على أن عدم جاهزية المؤسسات الألمانية المعنية بتنظيم شؤون اللاجئين والمهاجرين وكفايتها، يسبب عرقلة في عملها وتأخرا واضحا في سيرورته، وهو ما ينعكس سلباً على حياة المعنيين المباشرين، أي مجتمع الهجرة واللجوء. كما أكدت كامو أن "الحديث عن العنصرية مع من لا يعرف ألمانيا من الداخل، يصيبه بالدهشة. لكن خطاب العنصرية اشتد كثيرا خلال السنوات العشر الأخيرة".
نضال مستمر من أجل حقوق اجتماعية!
من جهة أخرى، أكدت جينيفر كامو أن ألمانيا تتمتع بترسانة قانونية قوية ومتينة تضمن الحقوق لمواطنيها، لكنها ليست في خدمة المهاجرين واللاجئين خاصة النساء. لذلك تبقى المطالبة بتحسينها أمرا ضروريا، وسببا يدعوها وباقي المنخرطات في المنظمة للاستمرار في نضالهن. وأشارت إلى أنه في بداية تأسيس هذه المنظمة الحقوقية، شهدت النساء اللاجئات والمهاجرات، دعما كبيرا من النساء الألمانيات، وقالت "ما حققناه كان بدعم من المجتمع الحقوقي الألماني فعلا".
ويستمر هذا النضال اليومي، ليكون يوم الثامن من مارس/ آذار، أي يوم العالمي للمرأة، فرصة لنساء هذه المنظمة للخروج إلى الشارع والجهر بمطالبهن والتعريف بها أمام العموم. وهي عادة دأبت عليها نساء المنظمة منذ تأسيس هذا الإطار الحقوقي، إذ يتم سنويا تنظيم مظاهرة في شوارع برلين تحدد لها نقطة انطلاقة ووصول، اختير لها أن تتجه هذه السنة صوب السجن النسائي، في برلين.
أما في معرض حديثها عن ما تقوم به المنظمة لصالح اللاجئات والمهاجرات في برلين فتقول كامو "داخل المنظمة، ندعمهن من أجل أن يقاومن كل أشكال التمييز، ونعمل على تمكين المرأة المهاجرة داخل المجتمع، ونساهم في بنائه من جديد عبر التصدي للعنصرية. صراعنا كنساء مهاجرات مختلف، لذلك يجب أن نكون متحدات ونفهم ما نصبوا إليه قبل الانطلاق في معاركنا، ولا نفقد استقلاليتنا أبدا".
وأوضحت أن الهدف الأساسي من تكثيف الجهود هو "تشكيل مقاومة ضد العنصرية اليومية التي نعيشها، وضد الأنظمة التي تضطهدنا". مؤكدة أن "هناك الكثير من التضامن مع أفكارنا، فالمجتمع نفسه أدرك مدى تعقيد نظام اللجوء في هذا البلد وأنه غير إنساني".

وفي رسالة وجهتها للاجئات والمهاجرات المتواجدات في ألمانيا قالت كامو "يجب أن ننظم أنفسنا، علينا أن نفهم كيف نتعامل مع هذا المجتمع حتى لا نتعرض للإساءة ولا يتم استعبادنا". بينما وجهت للمسؤولين السياسيين رسالة مفادها "نحن بحاجة إلى مجتمع عادل، نحتاج للاعتراف بنا كأشخاص يقومون بدور مهم جدًا في المجتمع الألماني، الذي صار المهاجر واللاجئ فردا منه، يساهم في تقدمه في كل القطاعات".
ومن المهام التي تركز عليها المنظمة التي أسستها اللاجئات والمهاجرات في برلين، "توثيق حياة وقصص النساء المهاجرات، عبر نصوص كتبتها نساء عنهن. وأصدرت المنظمة كتبا تتضمن شهادات لاجئات في ألمانيا، في محاكاة لأدب الشهادات المنتشر في أمريكا اللاتينية"، وفي ذلك تتطلع من المنظمة إلى إسماع أصوات المهاجرات واللاجئات، حسب موقعها. كما عقدت IWS مؤتمرا حول الهجرة واللجوء في برلين.
ولم تكتف المنظمة بإصدار الكتب أو المؤتمرات، بل تكثف من عملها الميداني عبر تأسيس مبادرات عملية مثل "مجموعة كسر العزلة" التي تحمل شعار "من قبل اللاجئات ومن أجل اللاجئات" منذ سنة 2018، والتي أطلقت بهدف تقديم المشورة والدعم للنساء اللواتي ما زلن في خضم عملية اللجوء، ومن أجل مساعدتهم خلال هذا المسار البيروقراطي الطويل المعقد.
ماجدة بوعزة