احتجاج مئات المواطنين التونسيين ضد العنصرية نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة تونس
احتجاج مئات المواطنين التونسيين ضد العنصرية نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة تونس

في ظل أزمة الهجرة التي تعيشها تونس في الفترة الأخيرة، زاد تطوع المواطنين التونسيين لمساعدة المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الذين يتعرضون للاضطهاد وسوء المعاملة. ويعتبر التونسيون أن أسباب الأزمة الحالية كان ينبغي معالجتها وإيجاد حلول لها منذ فترة طويلة.

في أحد ممرات شوارع العاصمة التونسية، تم تثبيت القماش على جدران حديقة لأجل تشكيل غطاء يقي اللاجئين من المطر والبرد. تمت تغطية الخيام بالبلاستيك والبطانيات. وتحت السماء يوم غائم، اجتمع المهاجرون حول نار أشعلوها لتدفئة أنفسهم، وتحيط بهم أكوام من القمامة وسط المدينة.

جوزيفوس، واحد من بين مائة شخص إفريقي ينحدرون من دول جنوب الصحراء، أُجبروا على مغادرة منازلهم التي كانوا يقطنونها في تونس خلال الأسبوعين الماضيين، يشرح لنا أين يعيش الآن هو وزوجته وطفله، إنهم الآن في الشارع، قبالة المقر الرئيسي للمنظمة الدولية للهجرة، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، في تونس.

باستخدام الكاميرا على هاتفه ، كان جوزيفوس يتجول في الأنحاء ويبث المشهد على الهواء مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو كما غيره هنا يخشى أن تأتي مجموعة أخرى من التونسيين لمهاجمتهم مرة أخرى.


خلال الأسبوعين الماضيين، تكدس هؤلاء المهاجرون في هذا المكان، مباشرة بعد خطاب ألقاه الرئيس التونسي قيس سعيد. فعوض مواجهة المشاكل الاقتصادية المتزايدة والاضطرابات السياسية المستمرة، اختار الرئيس التونسي اللجوء لاستعمال خطاب عنصري وشعبوي استهدف من خلاله المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

وقد وصف الرئيس التونسي في تصريحات رسمية المهاجرين الأفارقة بـ"المجرمين" القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء الذين "لا ينتمون إلى الأمتين العربية والإسلامية"، معتبرا أنهم جزء من مؤامرة لاستبدال السكان التونسيين المحليين. ثم أمر قوات الأمن المحلية بطرد المهاجرين غير الشرعيين الذين قدموا إلى البلاد.

مشاكل دبلوماسية!

ووصف الاتحاد الإفريقي خطاب قيس السعيد بـ "خطاب كراهية عنصري"، كما قام الاتحاد الإفريقي بإلغاء مؤتمر كان من المقرر عقده في تونس في مارس / آذار الجاري. وقالت وكالة رويترز للأنباء مساء الاثنين، إن البنك الدولي أيضا أوقف عمله مع تونس بسبب مخاوف مرتبطة بخطاب "العنف والعنصرية".

بعد إلقائه للخطاب الأول المتضمن لعبارات عنصرية وإقصائية، خفف الرئيس التونسي موقفه قليلا، بالإعلان على أن مرتكبي الهجمات العنصرية ستتم ملاحقتهم. لكن التراجع عن موقفه والذي لم يتضمن اعتذارًا صريحًا، لم يكن حلا للإيقاف الهجمات العنصرية.

وفقًا للمنظمات الحقوقية المحلية، هناك ما بين 21000 و 50000 إفريقي من دول جنوب الصحراء الكبرى يعيشون في تونس. بعهضم جاء قانونيًا في إطار اتفاقيات التعليم الجامعي، والبعض الآخر مهنيون يستفيدون من قوانين الدخول بدون تأشيرة إلى تونس لأجل العمل ومدتها ثلاثة أشهر.

نظمت حكومة ساحل العاج رحلات جوية خاصة لإعادة مواطنيها إلى الوطن وضمان مغادرتهم لتونس
نظمت حكومة ساحل العاج رحلات جوية خاصة لإعادة مواطنيها إلى الوطن وضمان مغادرتهم لتونس


لكن لم يعد للوضع القانوني أهمية بعد خطاب قيس سعيد. فقد تعرض الأفارقة القادمون من دول جنوب الصحراء، وحتى بعض التونسيين ذوي البشرة الداكنة، للمضايقة في الشوارع، والاعتقال التعسفي، والضرب أو الهجوم بمختلف الأشكال، والطرد من بيوتهم المستأجرة وطردوا أيضا من وظائفهم.

كما تم تداول قصص على وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص حرموا من العمل في مكاتب البريد أو المتاجر بسبب لون بشرتهم. وورد أنه تم رفض العديد من سائقي سيارات الأجرة في البلاد توفير خدمة النقل لهم.

نتيجة للاضطهاد، عاد مئات الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء إلى بلدانهم على متن رحلات العودة التي نظمتها الحكومة، كانت بعضها رحلات توجهت إلى مالي وساحل العاج.

آخرون، مثل جوزيفوس، ليس لديهم خيار سوى البقاء. فأصله من سيراليون، ويعمل في تونس منذ 2021 ويحاول متابعة طلب اللجوء الذي تقدم به في تونس، ولكن دون جدوى حتى الآن. يقول "نحن حوالي 90 شخصًا، معظمنا من سيراليون وغينيا ومالي ونيجيريا وغانا وليبيريا والسنغال والكاميرون. إنه المكان الوحيد الذي نشعر فيه بالأمان".

أقام المهاجرون ملاجئ خارج المكتب المركزي لمنظمة الهجرة الدولية في تونس العاصمة
أقام المهاجرون ملاجئ خارج المكتب المركزي لمنظمة الهجرة الدولية في تونس العاصمة


شبكات تطوع محلية!

يقترب جوزيفوس من شابة تونسية وصلت لتوها إلى مكان إقامتهم في الشارع. يقول "هذه السيدة تونسية، وهي تساعدنا لأنها ترفض خطاب حكومة بلدها". وبدورها أكدت المواطنة التونسية التي تدعى أمل في تصريح لـ DW "هناك حوالي 50 تونسيًا، الغالبية منا نشطاء في مجال حقوق الإنسان في تونس، نحاول إيجاد حل لهذه الأزمة".

وأوضحت أمل أن هناك أيضًا مخيمًا آخر عشوائياً مشابه للمهاجرين الأفارقة في المدينة. يجلب لهم المتطوعون التونسيون المواد اللازمة لإنشاء خيام، إضافة إلى الطعام وحفاضات الأطفال. وإلى جانب تقديم هذا النوع من المساعدة، يقدم المتطوعون التونسيون مساعدات أخرى مختلفة لمساعدة هؤلاء المهاجرين مثل التوسط لدى بعض المستأجرين في محاولة لإقناعهم لتوفير مسكن للعائلات.

بينما يقوم آخرون بإيصال مواد البقالة إلى العائلات التي تخشى مغادرة منازلها خوفًا من التعرض للاعتداء، كما قاموا بإعداد صفحات تبرعات لجمع الأموال من أجل مساعدتهم ماديا، كما يأتي أعضاء المنظمة التونسية للأطباء الشباب للمخيمات مساء للتحقق مما إذا كان أي شخص يحتاج إلى علاج طبي.

تقول أمل بحزن "يبدو الأمر كما لو أننا نتدرب كيف نعيش في وسط حرب". ومن جهتها، اعتبرت هندا الشناوي، إحدى منسقات الجبهة التونسية المناهضة للفاشية، والتي أسسها نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان، في تصريح لـ DW إنها تعرف حوالي 30 منظمة محلية ودولية مختلفة تحاول تقديم المساعدة، وقد وفرت بعضها أماكن إقامة للأمهات والأطفال إضافة لبعض المواطنين التونسيين.

السبت الماضي، نظم المنظوون تحت لواء النقابات العمالية  أكبر احتجاج ضد الرئيس قيس سعيد حتى الآن
السبت الماضي، نظم المنظوون تحت لواء النقابات العمالية أكبر احتجاج ضد الرئيس قيس سعيد حتى الآن


وأضافت الشناوي "طبعا لا يمكنني مدكم بمزيد من التفاصيل، لأن الشرطة تضطهد أيضًا النشطاء والمتطوعين الذين يساعدون المهاجرين"، في إشارة منها إلى الموجة الأخيرة من الاعتقالات ذات الدوافع سياسية، التي استهدفت المعارضين لقيس سعيد.

وكانت الجبهة التونسية المناهضة للفاشية، إحدى المنظمات التي خرجت ضمن مسيرة مناهضة للعنصرية حملت شعار "أوقف الفاشية، تونس أرض إفريقية"، وقد شارك فيها المئات من المواطنين في تونس العاصمة. ونظم الاتحاد العام التونسي للشغل، مسيرة كبيرة خاصة به ضد قيس سعيد يوم السبت أيضا، حمل نشطاؤه خلال الاحتجاج ملصقات مناهضة للعنصرية.

وخلال حديثها لـ DW، قالت الناشطة التونسية أمل "نحن التونسيين نعلم أن بلادنا أوكلت لها مهمة الوقوف في وجه هجرة الأفارقة نحو أوروبا وأن هذه قضية سياسية كبيرة"، معتبرة أن "رئيسنا كان غبيًا بما يكفي للتفوه بخطاب عنصري وفاشي".

مناهضة العنصرية في المنطقة

في رأي الشناوي، فإن بوادر هذه الأزمة كانت تلوح في الأفق منذ زمن بعيد. وأشارت إلى أن "الناس هنا يعتقدون بأن العنصرية تتعلق بالتمييز بين البيض والسود فقط في أوروبا، لكن ربما حان الوقت لمواجهة الواقع والقول صراحة إن هناك عنصرية في الدول العربية كذلك".

سلسبيل شلالي، مناضلة حقوقية تدير مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش بالعاصمة التونسية، قالت في تصريحاتها لصحيفة نيويورك تايمز "عندما تصرح بكلام عنيف ضمن مجتمع يتسم بالعنصرية، فإنك تلعب بالنار". ويتوافق تعليق شلالي مع نتائج تقرير العام الماضي الصادر عن منظمة الباروميتر العربي.


فقد وجدت هذه المنظمة أن هناك فجوة مقلقة بين الإدراك والسلوك تجاه السود في الشرق الأوسط. فمن بين 23000 شخص شملهم الاستطلاع في 10 دول في المنطقة يعتقد الأغلبية أن العنصرية شيء سيء. لكن عددًا قليلا فقط من رأى أن التمييز ضد السود يمثل مشكلة.

ومثال ذلك من تونس، فعلى الرغم من أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها قانون لمكافحة التمييز، إلا أن ذلك لم يوقف انتشار أخبار تفيد ضمنيا إلى أن "الأفارقة من جنوب الصحراء يأكلون كثيرًا" عندما نفد الأرز في المتاجر المحلية في عام 2022، كما تظاهر التونسيون العاطلون عن العمل لأن الأفارقة من جنوب الصحراء، حسب قولهم، انتزعوا منهم وظائفهم.

واختتمت الشناوي حديثها لـ DW قائلة "لهذا السبب فإن الوضع خطير للغاية على الجميع، ليس فقط على تونس أو دول إفريقيا جنوب الصحراء، بل لأن مرور فعل قيس سعيد بدون الوقوف في وجهه، سينشر العنصرية في كل دول المنطقة".


الكاتبة: كاثرين شاير/ م.ب

 

للمزيد