أولكساندرا تريد تأسيس حياة جديدة رفقة ابنها في ألمانيا. الصورة: ماركو فولتر
أولكساندرا تريد تأسيس حياة جديدة رفقة ابنها في ألمانيا. الصورة: ماركو فولتر

أولكسندرا لاجئة أوكرانية تحدثت لمهاجر نيوز عن تجربتها الصعبة وكيف نجت مع ابنها بأعجوبة من الموت في بوتشا، وتمكنت من مغادرة أوكرانيا والوصول إلى ألمانيا. وهي تحاول مثل مئات آلاف اللاجئين الأوكرانيين الاستقرار والاندمامج وبدء حياة جديدة في مدينة آخن.

"قصة أولكسندرا ليست شبيهة بقصص اللاجئات الأوكرانيات اللواتي يعشن في ألمانيا حاليا، فقصتها مأساوية"، تقول إيرينا فاسيلكيفيتش، من منظمة لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين في مدينة آخن الألمانية خلال حديثها لمهاجر نيوز.

بداية تحدثت أولكسندرا معنا عن وضعها وقالت "أنا أكثر النساء حظًا في العالم، لأنني تمكنت من الهرب من بوتشا. لقد وصلت إلى ألمانيا في أوائل شهر مارس/ آذار من العام الماضي، أي أنني هنا منذ عام". وأضافت "في الرابع والعشرين من فبراير/ شباط 2022، نهضت مبكرا وبدأت الاستعداد من أجل الذهاب إلى العمل كما أفعل كل يوم. رأيت من النافذة أن شيئًا ما يحدث في المطار، اعتقدت في البداية أنه حريق".

لكن قبل خروجها من البيت تلقت مكالمة من رئيسها في إدارة السجل العقاري المحلية، يطلب منها عدم الحضور إلى المكتب، فبدأت الصورة تتضح لديها.

إحياء ذكرى مرور عام على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في مدينة آخن الألمانية
إحياء ذكرى مرور عام على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في مدينة آخن الألمانية

ما رأته أولكسندرا من نافذتها ذلك الصباح كان هجوم الجيش الروسي على مطار هوستوميل، وكان من بين أولى الهجمات التي أعلن عبرها بوتين حربه على بلادها.أولكسندرا (50 عامًا) مطلقة وهي أم لطفل معاق عمره 10 سنوات.

من حسن حظها أن طليقها دلها على أفضل مكان للاختباء، إذ نصحها بالتوجه إلى أقرب قبو والاحتماء رفقة ابنها من الهجمات، وكان أقرب قبو لها هو قبو تحت مدرسة ابنها.

من سيء إلى أسوأ!

هرعت أولكسندرا إلى القبو في حالة صدمة، حيث قررت البقاء لمدة أسبوع، لكن بعد أيام قليلة من اعتمادها على الحصول على الطعام من آلات البيع بالمدرسة، نفد ما تملكه من مال. وبعد فترة قصيرة، توقفت الآلات عن العمل، فأصبح العثور على الأكل صعبًا جداً. وبعد أكثر من أسبوع في القبو، أصبحت الأمور أسوأ.

تحكي اللاجئة الأوكرانية لمهاجر نيوز "في الثاني من مارس/ آذار، عدت إلى شقتي لأحضر الطعام، فرأيت الطائرات الحربية تحلق فوق المنزل. كما كان هناك قناصة على أسطح المنازل يطلقون النار على المارة ويقتلونهم، اعتقدت أننا لن ننجو. ففكرت في حمل جوازات السفر، ليتمكن أي كان من التعرف علينا إن أصابنا سوء".

في النهاية، قررت أولكسندرا محاولة الخروج من خاركيف إلى كييف، ومن هناك يمكنها ركوب قطار الإجلاء إلى خارج البلاد. لكن تطبيق هذه الخطة أصبح صعبا، فقد تم تدمير الجسور التي تربط المدينة بجوارها".

تم دفن المدنيين في مقابر جماعية في بوتشا، حيث عثر على ما لا يقل عن 280 جثة حسب عمدة المدينة
تم دفن المدنيين في مقابر جماعية في بوتشا، حيث عثر على ما لا يقل عن 280 جثة حسب عمدة المدينة

وتضيف أولكسندرا "كان مستوى المياه مرتفعًا للغاية، وكان الجسر محطما، كان أمامي رجل قد عبره، وأوضح لي كيف يمكن العبور فوق الحطام. كان علي أي أبعث ابني قبلي وأتبعه، كان الأمر شاقا للغاية، كنت أصرخ بكل قوتي لتشجيعه، ولتحفيزه على الاستمرار".

الصور التي وصفتها أولكسندرا للطرقات المدمرة جراء القصف، وللجسور المهدمة في خاركيف كانت من بين الصور الأولى للحرب التي تم تداولها في جميع أنحاء العالم. وشوهد مئات الأوكرانيين وهم يمرون فوق الركام ويحملون حقائب السفر و أقفاص الحيوانات الأليفة.

أولكسندرا وابنها والذين حاولوا الفرار، أجبروا على السير عشرات الأميال للوصول إلى محطة القطار في كييف، وعبروا غابة كان القتال فيها محتدماً. تقول "كنا نسمع الجنود الأوكرانيين والروس، وسألني ابني عما إذا كنا سنموت، وشرحت له أن الغابة آمنة بالنسبة لنا".

ولتحافظ على هدوء ابنها لأطول فترة ممكنة، طلبت منه أن يتظاهر بأنه جنية الأسنان، وأنه يتسلل عبر الغابة بهدوء حتى لا يلاحظ وجوده أحد، هذه اللعبة أنقذت حياتهم في النهاية.

ألمانيا بيتنا الجديد!

استغرقت رحلة الأم وابنها عدة أيام لمغادرة أوكرانيا والتوجه إلى ألمانيا، والوصول إلى مدينة آخن الغربية عبر بولندا. تقول "بدأت في تعلم اللغة الألمانية فور وصولي، كنت أرغب بشدة في الانشغال بالتعلم أثناء فترة الإغلاق بسبب كورونا، لذلك اشتركت في دورة تدريبية عبر الإنترنت مقابل 9 يورو".

وقد استغرق الأمر عامًا كاملا، لتشعر أولكسندرا بالاستقرار. وجدت مؤخرًا شقة حيث تسكن هي وابنها. أما ابنها فبدأ في تلقي دروس العزف على البيانو من موسيقي أوكراني في آخن، كما أنه يحرز تقدمًا في تعلم اللغة الألمانية.

مثل أغلب الأوكرانيين الذين قدموا إلى ألمانيا منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام، ترى أولكسندرا أنها ستبقى في ألمانيا. بالنسبة إليها، أصبحت آخن تدريجيًا موطنها الجديد، وهي تحاول الاستقرار والاندماج في ألمانيا، معتبرة أنها مضطرة لذلك".

صورة حصلت عليها أولكسندرا من جارها في أوكرانيا، بجانب مدرسة ابنها حيث دفنت جثث من قتلوا خلال الهجوم الروسي على البلاد. الصورة: خاصة
صورة حصلت عليها أولكسندرا من جارها في أوكرانيا، بجانب مدرسة ابنها حيث دفنت جثث من قتلوا خلال الهجوم الروسي على البلاد. الصورة: خاصة

"لم يعد لدي منزل يأويني هناك"!

تتصفح أولكسنرا صورها القديمة في هاتفها، وتقارنها مع صور حديثة وصلتها من جارها، تظهر الصور مدرسة ابنها، حيث اختبأوا في القبو لمدة أسبوع. أمام المدرسة، هناك أرض بجانبها كومة من الرمل. وتشرح قائلة "دُفن الناس هنا في مقابر جماعية. كيف يمكنك العودة إلى هناك؟ كيف يمكن لابني أن يعود إلى تلك المدرسة، حيث كان من الممكن أن يموت، وحيث مات كثيرون؟ لم يعد لدي منزل يأوينيا أنا وابني".

ورغم من الصدمة الشديدة التي عانت منها، تأمل أولكسندرا في إيجاد سبيل للتصالح مع الماضي. وتقول "لقد رأيت أشياء لا ينبغي لأي إنسان أن يراها. لكن اليوم، أريد أن أعيد شيئًا إلى ألمانيا - البلد الذي استقبلني أريد أن أكون مفيدًة، وأن أجد الاستقرار الداخلي وأن أجد وظيفة. لا أريد أن أقضي أيامي في البكاء والحديث عن الحرب. أريد أن أحيا مرة أخرى".

قصة أولكسندرا هي الثانية من قصص ثلاث لاجئات أوكرانيات في ألمانيا.. هنا رابط القصة الأولى

ماركو فولتر/ م.ب

 

للمزيد