الأطفال الذين يعيشون دون مأوى عادة ما يذهبون إلى المدرسة دون تناول أي إفطار. المصدر: Agathe Truchon-Bartes, Studio graphique FMM
الأطفال الذين يعيشون دون مأوى عادة ما يذهبون إلى المدرسة دون تناول أي إفطار. المصدر: Agathe Truchon-Bartes, Studio graphique FMM

في فرنسا، يعتبر تعليم الأطفال إلزامي بغض النظر عن وضعهم الإداري ووضع والديهم، وبناء على ذلك، يلتحق مئات الأطفال المهاجرين بالمؤسسات التعليمية كل عام. لكن يحضر بعضهم إلى الفصل الدراسي بعد قضاء الليل في الشارع دون مأوى، لعدم توفر أماكن إقامة لعائلاتهم. بالنسبة إلى هؤلاء الطلاب، فإن التعليم طريق مليء بالصعوبات، لكن في الوقت ذاته، يمثل مستقرا وسط حياتهم الصعبة.

 اتخذ تعليم ليندا* مسارا مليئا بالعقبات. في الأشهر الأخيرة، ولكي تذهب إلى المدرسة، كان على الفتاة التغلب على صعوبات عديدة، وغير مألوفة بالنسبة لأي مراهق آخر في عمرها. وصلت الفتاة التي تبلغ 13 عاماً من أنغولا إلى فرنسا في عام 2019، رفقة أختها البالغة من العمر ثلاث سنوات، وشقيقها البالغ من العمر عام ونصف العام، ووالديها. لكن الأسرة لا تملك أي مأوى ثابت، وتعيش حاليا في مسكن في "إيفلين" (ضواحي باريس)، بعد أن عاشت ليالٍ في الخيام أو في مواقف السيارات، هرباً من العنف والجوع وانعدام النظافة.

بالنسبة إلى ليندا، وبالإضافة إلى صعوبات الحياة في الشارع، تضاف صعوبات خاصة بكونها تذهب إلى المدرسة، وفي معظم الأحيان دون تناول أي طعام على الإفطار. في ظل التعب الذي يمنعها من حضور الفصول الدراسية، ومضايقة زملائها في الفصل، يستحيل على الطفلة أداء واجباتها المدرسية بشكل صحيح وهي تعيش رفقة عائلتها في غرفة فندق بدون اتصال بالإنترنت، على بعد أكثر من ساعة من مدرستها.

بالنسبة لهذه الفتاة الصغيرة ذات الشعر المجعد بضفائر رفيعة، فإن التعليم يمثل أولوية. بعد ظهر أحد أيام الاثنين في منتصف شهر آذار/مارس 2023، تجلس ليندا مبتسمة أمام مشروب كوكا كولا بعد انتهاء دروسها، تشعر باليأس من أن متوسط درجاتها المدرسية قد انخفض إلى 9 من 20. تقول "لا يمكنني مراجعة دروسي، ليس لدي وقت، أنا متعبة للغاية". تتنهد قبل أن تتذكر بفخر أنها وصلت قبل بضع سنوات إلى "متوسط درجات ​​15".

للمزيد >>>> مخيم "لا شابيل" شمال باريس.. "الحياة في الشارع خطوة إجبارية لطلب اللجوء"

كان ذلك في بداية دارستها في المرحلة الإعدادية، عندما كانت ليندا وعائلتها لا يزالون يعيشون في مركز استقبال (CADA) في مدينة بوردو. كان وضعهم مستقراً نسبياً بانتظار الرد على طلب اللجوء الخاص بهم. عندما جاء الرد سلبياً، اضطرت الأسرة إلى مغادرة المركز، وقضاء بضعة أشهر في مبنى مهجور، قبل أن تستقر في باريس، حيث اعتقد الوالدان أنه سيكون من الأسهل العثور على مسكن في العاصمة.

ولكن عندما وصلوا في أيلول/سبتمبر الماضي، وجدت ليندا وعائلتها أنفسهم في مواجهة نظام مشبع تماما. تتصل الأسرة بخدمة 115 الهاتفية لمساكن الطوارئ يوميا لكن دون جدوى. تقول ليندا "كنا ننام أحيانا في الفندق ليلتين أو ثلاث ليالٍ". تعاني الفتاة من مشكلة صغيرة في الكلام، فعندما تغمرها العواطف، تبدأ في التلعثم. بجمل قصيرة، تروي ليندا ببطء قصة هذه الفترة الصعبة، قائلة "في الصباح، وبعد النوم في خيمة كنا نستيقظ وكنت أشعر بالبرد الشديد، وكنت ألتقط أي ملابس، ثم أنظف أسناني وأذهب إلى المدرسة".

ليندا وعائلتها عاشوا في الشارع دون مأوى. المصدر: Agathe Truchon-Bartes, Studio graphique FMM
ليندا وعائلتها عاشوا في الشارع دون مأوى. المصدر: Agathe Truchon-Bartes, Studio graphique FMM


أكثر من 1600 طفل بلا مأوى

ليندا هي واحدة من حوالي 1658 من الأطفال والمراهقين المشردين في فرنسا، وفقا لأحدث إحصاء أجرته اليونيسيف واتحاد ممثلي التضامن (FAS). يتوافق هذا الرقم مع عدد الأطفال الذين اتصلت أسرهم بخدمة 115 ليلة 22 إلى 23 آب/أغسطس 2022، دون الحصول على حل إقامة.

واستدركت اليونيسيف في بيانها أن "هذه البيانات ليست شاملة لأن هناك العديد من الأسر المشردة لا تتصل بالرقم 115. علاوة على ذلك، فهذه الأرقام لا تسمح لنا بإلقاء الضوء على الوضع الخاص بالقصر غير المصحوبين بذويهم الذين يعيشون في الشارع. ومع ذلك، فهي تشير إلى مدى وجود أزمة أماكن الإقامة والمساكن، التي لا تزال قائمة والتي يكون الأطفال ضحايا لها".

ويشرح إيمانويل ديشامب، رئيس المركز الأكاديمي لتعليم الوافدين الجدد والأطفال "المسافرين" (CASNAV) في أكاديمية باريس، أن "من بين هؤلاء الأطفال الذين ليس لديهم مسكن ثابت، هناك العديد من الأطفال المهاجرين الذين وصلت عائلاتهم لتوها إلى فرنسا، أو رُفضت طلباتهم للحصول على حق اللجوء أو لا يحملون أوراق رسمية وتصاريح إقامة".

لاحظت فرق المركز في الأشهر الأخيرة زيادة في عدد الطلاب المهاجرين الملتحقين بالمدارس الباريسية. من جانبه، يربط السيد ديشامب هذه الزيادة في أعداد طلبات اللجوء المتزايدة في فرنسا (زيادة بنسبة 31٪ في عام 2022 مقارنة بعام 2021). يتم إيداع نصف هذه الطلبات في منطقة "إيل دو فرانس". بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما يكون لدى العائلات المهاجرة عناوين إقامة (بشكل أساسي لتلقي البريد الإداري) لا تتوافق مع مكان إقامتهم الفعلي، والذي يمكن أن يختلف اعتمادا على المسكن المقدم من قبل 115.

يوضح إيمانويل ديشامب "يوجد في باريس نحو 100 ألف مسكن، يتركز معظمها في الدائرتين 18 و19 من العاصمة"، مشيرا إلى أن هناك تفكيرا جاريا "حول إيجاد حلول تقرب العائلات من مدارس أطفالها، لكن لا يمكننا الترحيب (في المدارس الباريسية) بجميع العائلات المشردة في إيل دو فرانس".

للمزيد >>>> الإقامة والطعام وطلبات اللجوء.. الوافدون الجدد إلى فرنسا هل لديهم المعلومات الكافية؟

"المدرسة هي المكان الذي يسمح للطلاب بأن يعيشوا طفولتهم"

لكن وبالنسبة لهؤلاء الطلاب الذين يعيشون دون مأوى، كيف يتمكنون من التعلم في مثل هذا السياق؟ يتم دعم معظمهم من قبل الفرق التعليمية في مدارسهم، والذين يحاولون، على أساس كل حالة على حدة، تسهيل الأمور على الطلاب.

تتذكر ليندا "اعتادت مديرة المدرسة الإعدادية ونائبتها إعطائي الكعك في الصباح، لأنني عادة ما كنت آتي جائعة جداً بانتظار الغداء. كما أعطوني الصابون حتى أتمكن من الاستحمام في المدرسة في الساعة الأولى من الدوام الدراسي".

في مدرسة في الدائرة الـ15 بباريس حيث يتلقى أربعة أطفال "مشردين" تعليمهم، أطلقت الإدارة دعوات للتبرعات بهدف جمع الملابس والألعاب والطعام لهم. وردا على سؤال من مهاجرنيوز حول كيفية إدارة المدرسة لوضع هؤلاء الطلاب بشكل يومي، أعربت المديرة عن عدم رغبتها بالتحدث في "موضوع حساس للغاية كهذا"، قائلة إنها "لم تر عائلة تعيش في وضع صعب كهذا من قبل".

بالنسبة للطلاب "المشردين"، تمثل المدرسة الفرصة شبه الوحيدة للحصول على حياة مستقرة. المصدر: Agathe Truchon-Bartes, Studio graphique FMM
بالنسبة للطلاب "المشردين"، تمثل المدرسة الفرصة شبه الوحيدة للحصول على حياة مستقرة. المصدر: Agathe Truchon-Bartes, Studio graphique FMM


في مدرسة أخرى في الدائرة الـ18 في باريس، يبذل مارك قصارى جهده لضمان حصول طلابه ممن يعيشون في الشارع، على تعليم "طبيعي".

في الخريف، وصلت طالبتان جديدتان إلى الفصل. يشرح الأستاذ "كانت تنام الأولى في خيمة تحت جسر محطة مترو لا شابيل (شمال باريس). أما الطالبة الثانية، فوصلت في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر من الكاميرون. كان والدها فرنسيا، لذا فهي فرنسية أيضا، وكانت تستعد للمجيء والعيش في فرنسا لكن والدها توفي بسبب المرض قبل أسابيع قليلة من المغادرة [...] عندما وصلت الفتاة الصغيرة ووالدتها، قضتا مدة عام ونصف في محطة (غار دو نورد) للقطارات".

يتذكر مارك أنه وبالنسبة لهذه الطفلة، فإن الأسابيع الأولى من المدرسة كانت صعبة للغاية، خاصة وأن الفتاة البالغة من العمر ثمان سنوات، كانت في حداد كامل على والدها.

بالنسبة إلى هاتين الطالبتين، قام المعلم "بتسهيل الأمور حتى لا تواجهان صعوبات إضافية". يشرح قائلاً "مع المعلم الذي أشارك صفي معه، لا نعطيهما واجبات منزلية، فقط أشياء لإعادة قراءتها. نحاول وضعهما في مجموعات عمل لتعزيز الصداقات مع أطفال آخرين. لكننا ما زلنا نعتبرهما كباقي الطلاب الآخرين".

وأنهى مارك كلامه قائلا "على الأقل في المدرسة، يمكن لهاتين الطالبتين أن تعيشا حياتهما كطفلتين صغيرتين".

للمزيد >>>> باريس: عناصر أمن يفرغون الغاز المسيل للدموع على خيام المهاجرين

"المدرسة كعامل وقائي"

تعتبر الطبيبة النفسية المتخصصة في الأطفال، هالة كرباج، المدرسة مهمة جداً للأطفال المهاجرين. بشكل منتظم، تستقبل الطبيبة العاملة في مستشفى جامعة مونبلييه، أطفالاً وصلوا إلى فرنسا مع والديهم لطلب اللجوء.

وتقول "يعد التواجد في المدرسة عاملاً وقائيا للأطفال المهاجرين. فهو يساعدهم على أن يكون لديهم اتجاهات واضحة في الحياة، وأن يكونوا في مجتمع وأن يكون لديهم أصدقاء. توجد أحيانا مشاكل لغوية إذا كان الأطفال لا يتحدثون الفرنسية، ويواجهون مشاكل في الاندماج لأنه تم اقتلاعهم من مجتمعاتهم السابقة. لكن وبشكل عام، يكون للتعليم دائما تأثير إيجابي على الطفل المهاجر".

وتضيف "بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم مسكن ثابت، تمثل المدرسة عنصرا من عناصر الاستقرار والاستمرارية، وهو أمر ضروري لنمو الطفل".

وترى الطبيبة أن هؤلاء الأطفال يواجهون صعوبة في الارتباط بالآخرين، مشددة على أن هذه العقبة ليس من السهل تخطيها.

بالعودة إلى ليندا، تقول الفتاة إن زملاءها لا يعرفون حقيقة وضعها، وترى أنه من الأفضل أن يبقى الوضع على ما هو الآن، لكنها قلقة من اكتشافهم لوضعها الحقيقي، وتقول "أخشى أن يقولوا لي إنني أنام في الشارع وإنني مهاجرة".

بين التنقل المستمر وعدم الاستقرار، تفقد الفتاة معنوياتها الإيجابية أحياناً. تقول مبتسمة "لا أحب أن أكون حزينة، لذلك عندما لا تسير الأمور على ما يرام، أفكر في مستقبلي. أتخيل نفسي في منزل مع طفليّ وعملي. أريد أن أصبح عاملة رعاية أطفال". هذا الأسبوع، خطت ليندا خطوة نحو نيل حياة طبيعية ومستقبل مستقر، حيث سمح لها والداها بمجالسة أطفال العائلات التي تستقبل ليندا وأسرتها في منازلها.

 

للمزيد