احتجزت السلطات الفرنسية الشهر الماضي ثلاثة مواطنين إيرانيين بهدف ترحيلهم إلى طهران، رغم أنها كانت تعهدت بعدم تنفيذ أي عملية طرد، إلى البلد الذي ترتكب فيه السلطات حملات قمع عنيفة ضد معارضيها. الأشخاص الثلاثة أفرج عنهم لاحقا، لكن المنظمات الحقوقية استنكرت تواصل محافظات الشرطة مع القنصلية الإيرانية، وتقديمها معلوماتهم الشخصية، مما قد يعرضهم للخطر.
مضت السلطات الفرنسية قدما بالإجراءات الإدارية لترحيل ثلاثة أشخاص إيرانيين، ووضعتهم في مركز احتجاز، ثم تواصلت مع القنصلية الإيرانية في باريس، الأمر الذي يعرض هؤلاء الأشخاص للخطر، ويكشف معلوماتهم الشخصية أمام سلطات البلد الذي فروا منه.
الشرطة الفرنسية نقلت هؤلاء الأشخاص إلى مركز احتجاز إداري، رغم أن الحكومة الفرنسية أعلنت بداية العام الجاري عن تعهدها بعدم ترحيل الإيرانيين إلى بلادهم، تزامنا مع حملات "القمع المروّعة" هناك وارتكاب أجهزة الأمن الإيرانية لأعمال تعذيب وتعنيف جنسي، حسب تقرير نشرته منظمة "العفو الدولية" الشهر الماضي.
تتوالى التقارير الحقوقية التي تنتقد عدم التزام فرنسا بتأمين الحماية للأشخاص المعرضين للخطر في بلادهم، وكان مهاجرنيوز نشر تقريرا حول تواصل محافظات فرنسية مع القنصلية السورية في باريس من أجل ترحيل شخصين، رغم أن التزامات فرنسا القانونية تمنعها من ترحيل أي طالب لجوء معرض للاضطهاد في بلده. كما أن فرنسا، للمرة الأولى منذ تولي طالبان الحكم في أفغانستان، رحّلت شابا أفغانيا الشهر الماضي.
للمزيد>>> مراسلات بريدية وطلبات رسمية.. هل تسعى فرنسا لترحيل سوريين إلى بلدهم؟
ثلاث حالات احتجاز
منذ حوالي أسبوعين، ألقت السلطات الفرنسية القبض على رجل إيراني برفقة زوجته في جنوب فرنسا حينما كانا ينويان السفر جوا إلى المملكة المتحدة في 15 نيسان/أبريل الماضي، ونقلتهما إلى مركز احتجاز إداري في مدينة تولوز.
كانت السلطات الفرنسية أصدرت بحق الزوجين أمر التزام بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF) في نهاية آذار/مارس الماضي حين وصلا إلى باريس (على الأغلب لأنهما كانا يتنقلان بوثائق سفر مزورة). وبالتالي قررت محافظة بيرينيه العليا، بعد إيقافهما في الجنوب أن تنقلهما إلى مركز احتجاز بهدف ترحيلهم إلى إيران.
لكن بعد مرور 48 ساعة على احتجازهما، استعاد الزوجان حريتهما بقرار من قاضي الحريات والاحتجاز، لكنهما علما أثناء جلسة الاستماع الأولى أن محافظة بيرينيه العليا تواصلت مع القنصلية الإيرانية في فرنسا للحصول على "تصريح قنصلي"، الوثيقة الضرورية التي تمكّن السلطات من طردهم.
وبعد أيام قليلة من الحادثة الأخيرة، احتجزت الشرطة شخصا ثالثا يحمل الجنسية الإيرانية وأصدرت محافظة أود أمر ترحيل بحقه في 23 نيسان/أبريل الماضي.
لكن وبعد تدخل قانوني، أطلق سراحه في اليوم التالي، بعد أن قدم طبيب شهادة عن حالته الصحية التي لا تتوافق مع احتجازه، حسبما أشار العضو في جمعية "سيماد" بول شيرون لمهاجرنيوز.
تبادل المعلومات مع القنصلية يعرض الأشخاص وعائلاتهم للخطر
في رسالة وجهتها محافظة بيرينيه العليا إلى القنصلية الإيرانية في 15 نيسان/أبريل، وتمكن فريق مهاجرنيوز من معاينتها، تظهر الأسماء الكاملة للأشخاص المعنيين بالإضافة إلى معلومات تاريخ ومكان الولادة وصورتين شخصيتين.
يستنكر بول شيرون هذا التواصل مع القنصلية مشيرا إلى أنه بفضل المعلومات المرسلة من الجانب الفرنسي "يصبح من السهل التعرف" على الأشخاص.
وفي بيان مشترك لجمعية "سيماد" ومنظمة "العفو الدولية" وجمعية "عدالة إيران"، شددت هذه الجهات الحقوقية على أن التواصل مع القنصلية الإيرانية "غير مقبول على الإطلاق، لأن الإدارة بهذه الطريقة تقدم معلومات بشأن الأشخاص الذين يلتمسون اللجوء في أوروبا".
إلا أن تبادل المعلومات "يعرض هؤلاء الأشخاص في فرنسا للخطر، وكذلك عائلاتهم الذين بقوا في إيران، والذين قد يتعرضون بالتالي لأعمال انتقامية بعد هروب أقاربهم"، بحسب المنظمات غير الحكومية.
احتجاز 11 إيرانيا
تبرر عادة وزارة الداخلية التواصل مع القنصليات بغرض التحقق من هويات الأفراد "لمنع البعض من التظاهر" بأنهم ينتمون لجنسيات أخرى.
إلا أن اضطرار الأفراد للتنقل بوثائق مزيفة "يشير إلى أنهم يهربون من بلادهم" خوفا من تعرضهم للاعتقال، حسبما يوضح شيرون. وتشدد المنظمات غير الحكومية على ضرورة تقديم الحكومات الأوروبية مسارات قانونية لأولئك الذين يحتاجون إلى الهروب من إيران، بما في ذلك تأمين التأشيرات ومنحهم الحماية الدولية.
منذ أيلول/سبتمبر 2022، احتجزت السلطات الفرنسية 11 مواطنا إيرانيا، كانوا جميعا مهددين بالترحيل، بحسب بول شيرون. ووفقا لتقرير نشره موقع "ميديا بارت" تواصلت المحافظات مع القنصلية الإيرانية في تلك الحالات.
حاول فريق مهاجرنيوز التواصل مع محافظة بيرينيه العليا، لكن لم يصل أي رد.