بعد أيام فقط من تفكيك مخيم مؤقت للمهاجرين من قبل متظاهرين معارضين ظهر مخيم صغير آخر خارج "مكتب الحماية الدولية" التابع للحكومة الإيرلندية (IPO) في العاصمة الإيرلندية دبلن. وفي الوقت نفسه، تستمر الاحتجاجات ضد استقبال اللاجئين في جميع أنحاء البلاد حيث يتزامن ارتفاع عدد المهاجرين مع أزمة سكن حادة.
فر محمد من أفغانستان (الاسم تم تغييره) على أمل العثور على "مكان آمن للعيش والعمل"، كما قال لوكالة أنباء رويترز. بيد أنه وبعد وصوله إلى دبلن، وجد نفسه بلا مأوى. بعد عدة أيام من التشرد، وجد محمد مكاناً في مركز لطالبي اللجوء، في منطقة سيتي ويست، على مشارف المدينة. وهناك انضم إلى طابور طويل يضم حوالي 200 طالب لجوء آخر ينتظرون إيواءهم. يقول محمد: "نحن جميعا من ذوي البشرة السمراء ومن السود، من بلدان مثل أفغانستان وسوريا".
وفقاً لوكالة أنباء رويترز، هناك حوالي 17,500 طالب لجوء ينتظرون البت في طلباتهم في إيرلندا، حوالي ثلثي هؤلاء يعيشون في مساكن دائمة. فيما يتم إيواء الثلث الآخر في فنادق بتكلفة تبلغ 166 مليون يورو في السنة.
احتجاجات غير سلمية
وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية، ذات الميول اليسارية، فإن أعداد الخيام المنصوبة بالقرب من "مكتب الحماية الدولية" التابع للحكومة اللإيرلندية (IPO) بات يتزايد باطّراد، ليضم عشرات الخيام لصغيرة. والمكتب المذكور هو الهيئة الحكومية المختصة بالنظر بطلبات اللجوء والبت فيها.
تم تسليط الضوء على هذه المخيمات مؤخراً في إيرلندا، بعد سلسلة من التظاهرات احتجاجاً على نقص المساكن في جميع أنحاء البلاد، الذي شمل كل من يعيش في إيرلندا من مواطنين وأجانب، وليس فقط المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.
وفي وقت سابق من شهر مايو/أيار الجاري هاجمت مجموعة من المحتجين الخيام المنصوبة من قبل المهاجرين ورددوا شعارات مثل "إيرلندا للإيرلنديين" و"أنتم غير مرحب بكم هنا"، كما تعرضت بعض الخيام غير المأهولة هناك للحرق.
تقدر الحكومة الإيرلندية، حسب صحيفة الغارديان، أن البلاد تفتقر إلى ما لا يقل عن 250 ألف منزل. مع ارتفاع تكاليف المعيشة والمشاكل الاقتصادية العامة، استقبلت إيرلندا أكثر من 70 ألف أوكراني وسجلت عدداً قياسياً من طلبات اللجوء في عام 2022 بواقع 13,650 طلب لجوء.
ويعتقد أن ما لا يقل عن 500 طالب لجوء يعيشون الآن في الشوارع. وبحسب صحيفة الغارديان فإن مشكلة الإسكان تفاقمت أكثر بعد أن أعلنت الحكومة الإيرلندية في مارس/ آذار الماضي أنها ستنهي العقود التي أبرمتها مع فنادق مختلفة من أجل إيواء اللاجئين في البلاد.

"المرة الأولى التي أنام في خيمة"
معظم الذين ينامون في الخيام بالقرب من "مكتب الحماية الدولية" التابع للحكومة الإيرلندية (IPO) هم من "أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وإيران والعراق"، وفقاً لتقرير الصحيفة البريطانية.
وقال شاب يطلق على نفسه اسم أنديل ويبلغ من العمر 30 عاماً من زيمبابوي للصحيفة: "لم يكن الأمر كما كنت أتوقع، إنها المرة الأولى التي أنام فيها في خيمة".
ودبلن ليست المدينة الإيرلندية الوحيدة التي تعاني من نقص المساكن والاحتجاجات ذات الصلة. ففي الأسبوع الماضي، نظم احتجاج سلمي في بلدة إنش في مقاطعة كلير، حيث ورد أن السكان استخدموا الجرارات لإغلاق طريق خارج مركز يضم 33 طالب لجوء من الذكور.
"غير مقبولة أبداً"
وتروي المواطنة كلوديا مادن لهيئة الإذاعة الوطنية RTÉ أن السكان "لن يكونوا عدائيين لو علموا أن القادمين عائلات وليس فقط من الرجال". وأوضحت: "كسيدة، سأشعر بالخوف من 10 رجال يقفون على جانب الطريق، أو يقفون حيث أمشي في شوارع بلدتي".
وأعرب المهاجرون، الذين ينحدرون من دول مختلفة مثل الجزائر والكونغو ونيجيريا والصومال وأفغانستان، عن قلقهم من الاحتجاجات التي واجهتهم من السكان، وأن كل ما يريدونه هو العثور على عمل ودراسة اللغة الإنجليزية.
وزير الاندماج الإيرلندي، رودريك أوجورمان، أكد من جهته أن الاحتجاجات في بلدة إنش في مقاطعة كلير "غير مقبولة على الإطلاق". فيما أكد الزعيم الأيرلندي تاويسيتش ليو فارادكار أنه "لا يمكن لأحد تحديد من يعيش في منطقته ومن عليه مغادرتها".
وقالت المتظاهرة كاثال ناجل لصحيفة "آيريش تايمز": "ما نأمل في تحقيقه هو أن الحكومة ستتراجع عن القرار الذي اتخذته". وقال متظاهر آخر إنه يشعر بالقلق من أن يؤدي موقع بلدة إنش القصي إلى جعل طالبي اللجوء يشعرون بالملل في الشتاء، وبدون أي شيء يفعلونه غير "التسكع" في البلدة.

إساءات ومضايقات
وبالعودة إلى دبلن أصدرت المحكمة العليا الأيرلندية الأسبوع الماضي أمراً قضائياً بإخراج مجموعة من 46 مهاجراً استولوا على مبنى وكانوا يقيمون فيه. وبحسب بادريغ دروموند، الرئيس التنفيذي لجمعية "ستريت لينك هوملس سبورت" Streetlink Homeless Support لدعم المشردين، وهي مؤسسة خيرية تعمل مع المهاجرين، إنه كان على اتصال بوزير الاندماج الإيرلندي، رودريك أوجورمان، لمحاولة الحصول على أمر حماية لبقاء اللاجئين.
يوم الثلاثاء (23 أيار/مايو) ذكرت صحيفة "آيريش تايمز" أن الشرطة الأيرلندية تواجه انتهاكات ضدها أثناء التعامل مع المحتجين المناهضين للهجرة.
وقالت جمعية "ستريت لينك هوملس سبورت" الخيرية لدعم المشردين إنها تعرضت أيضاً لمضايقات من المتظاهرين المناهضين للمهاجرين في الآونة الأخيرة. ووفقاً لإذاعة يورونيوز، قال دروموند إنه تلقى العديد من المضايقات الهاتفية في 13 أيار/مايو من شخص شتمه بعد أن حاولت المؤسسة الخيرية مساعدة اللاجئين. كما ذكرت المؤسسة أن سيارة تتبع لها تعرضت للتخريب وإطلاق نار متعمد.
وعلى غرار ما حدث في إنش، أكد بادريغ دروموند، الرئيس التنفيذي لجمعية "ستريت لينك هوملس سبورت" Streetlink Homeless Support لدعم المشردين أن السلطات لا تفعل دائماً ما يكفي بشأن التشاور مع المجتمعات المحلية قبل نقل طالبي اللجوء والمهاجرين إلى منطقة ما. وقال دروموند ليورونيوز إنه شعر أن السلطات بحاجة إلى "تواصل أكبر مع المجتمع حتى يتمكنوا من مناقشة ما يحدث".
معاملة "تفضيلية" للأوكرانيين
قالت منظمة ناسك Nasc لدعم المهاجرين واللاجئين لوكالة أنباء رويترز إن الفرق في المعاملة في إيرلندا بين الأوكرانيين وطالبي اللجوء من دول أخرى يمثل مشكلة أيضاً. وقالت فيونا هيرلي، الرئيسة التنفيذية للمنظمة، إن هناك "اختلافات ملموسة في الحصول على الرعاية الصحية والعمل والتعليم بين الأوكرانيين الذين يتمتعون بالحماية المؤقتة وطالبي اللجوء في إيرلندا".
وبدوره، يرى نيك هندرسون من "المجلس الإيرلندي للاجئين"، وهي منظمة غير حكومية إن عملية الهجرة البيروقراطية صعبة حتى بالنسبة للأوكرانيين. وقال هندرسون إن البعض أجبروا على تغير سكنهم عدة مرات عندما انتهت عقود الفنادق ولم يتم تسجيل الآلاف من طالبي اللجوء. ويرى الناشط في مجال مساعدة اللاجئين أن الحكومة الإيرلندية يجب أن تحاول التعلم من السرعة التي وضعت بها "توجيه الحماية المؤقتة الخاص بالأوكرانيين" والبدء في تطبيقه على جميع طالبي اللجوء في إيرلندا.
إيما واليس/ ع.ج