جمال، سعيد، ومامادو...أشخاص في ريعان الشباب، يجمعهم سقف دار الإيواء في ملقا جنوبي إسبانيا. كانوا جميعا ضيوفا لسنوات على مركز القاصرين في نفس المدينة، حيث وصلوا لوحدهم إلى هذا البلد الأوروبي في سن الطفولة. يحاولون اليوم بمساعدة أطر هذه الدار المحسوبين على الجمعية المغربية لإدماج المهاجرين الخروج من مرحلة البحث عن الذات وبناء مستقبلهم.
في جو عائلي بشقة في أحد أحياء مدينة ملقا الإسبانية، كان ستة شباب مهاجرين في 18 من العمر يشاهدون أحد برامج الواقع على قناة إسبانية. قاسمهم المشترك أنهم كانوا جميعا في مركز للقاصرين قبل أن يلتحقوا بهذه الشقة، وهي دار للإيواء تابعة للجمعية المغربية لإدماج المهاجرين التي تنشط بنفس المدينة.
واستفادتهم من خدمات هذه الدار، كان بناء على معايير محددة. "اختيارهم كان بموجب مقابلة أجريت مع كل واحد منهم أظهروا فيها حماسهم ورغبتهم الأكيدة في بناء مستقبلهم"، توضح المربية الإسبانية العاملة في الجمعية المغربية لإدماج المهاجرين سارة، التي تصاحب هؤلاء الشباب في خطواتهم الأولية في الاندماج في الحياة المهنية والمجتمعية.
ويقتسم كل فردين منهم غرفة من الشقة. "يعيشون في انسجام، ولم نسجل مشاكل فيما بينهم"، يقول المشرف على الدار محمد المحساني. وهي شقة مرتبة ونظيفة، يحرص محمد على أن تظل كذلك، حيث تم وضع برنامج وتعليقه داخل الدار بأيام الأسبوع، يكون فيه كل واحد منهم مدعوا للقيام بالأعمال المنزلية بيوم محدد.
ويقيم في هذه الدار ثلاثة مغاربة، وثلاثة شبان: من غامبيا، سيراليون، ومالي. وصلوا إلى إسبانيا عن طريق سبتة أو مليلية. واستطاعوا أن يتسللوا إلى الداخل الإسباني من خلال الميناء عبر شاحنات لنقل السلع كقاصرين، كما كان شأن جمال الذي وصل إلى إسبانيا في سن 15.
كيف يلتحقون بدار الإيواء؟
كل هؤلاء الشباب وصلوا إلى إسبانيا في سن الطفولة قبل أن يحالوا لمركز القاصرين في ملقا. وكانت أعمارهم في غالب الحالات لا تتجاوز 15 عاما. وعند بلوغهم 18 سنة، يكونون مدعوين لمغادرة المركز. وإذا كان هؤلاء الشباب الستة محظوظين بوجودهم في هذا الدار، فلا تخفي سارة أن الكثير من أقرانهم، الذين شاركوهم سقف مركز القاصرين، "يجدون أنفسهم في الشارع".
فالحكومة الجهوية في الأندلس لا تستقبل إلا 16 شخصا من هؤلاء عند مغادرتهم لمركز القاصرين. كما أن طاقة المنظمات الإنسانية في المنطقة لا يمكنها أن تستوعب جميع المنتمين لهذه الفئة، ما يعرض الكثير منهم لحياة الشارع من جديد، بعد أن طلقوها بمجرد وصولهم لمركز القاصرين. وينام العديد منهم في العراء، ما يزيد من تعقيد مستقبلهم في هذا البلد الأوروبي.
وتعمل الجمعية المغربية لإدماج المهاجرين كل ما بوسعها لإنجاح عملية إدماجهم في المجتمع الإسباني. "غالبية هؤلاء الشباب كانوا محسوبين على أطفال الشوارع في بلدانهم"، تشير سارة. والعودة إليها عقب مرورهم من الجمعية "خسارة" بالنسبة لها، وبالتالي تحرص الجمعية على القيام بكل ما يجب لأجل تفاديها.
العمل مفتاح الاندماج
وإن كان الكثير من هؤلاء الشباب المهاجر يفضل مواصلة مشوار رحلة الهجرة نحو بقية الدول الأوروبية، عقب مروره من مركز القاصرين، لكن "الكثير منهم يعود إلى ملقا بعد مدة من الزمن"، توضح المربية الإسبانية العاملة في الجمعية المغربية لإدماج المهاجرين. ويعد العمل بالنسبة لهؤلاء مفتاح النجاح في حياة الهجرة التي ارتموا بين أحضانها في سن مبكرة.
ويرى الدكتور المغربي حسن بلعربي المهتم بقضايا الهجرة في إسبانيا، والذي يدرس في جامعة ألميريا في منطقة الأندلس، أن "العمل يعتبر من الشروط الأساسية للاندماج الاقتصادي للمهاجر. إلا أن الأزمة الاقتصادية التي مست إسبانيا بين 2008 و2014... مست المهاجرين بشكل فظيع".
للمزيد: مهاجرون يعبرون طريق الموت محملين بمسؤوليات عائلية
فالعثور على عمل يظل الهاجس اليومي لهؤلاء
الشباب. "قضيت ثلاث سنوات في مركز القاصرين، والآن أحاول البحث عن تدريب في
الطبخ لتعلم هذه المهنة"، يتحدث جمال، وهو أحد المقيمين في دار الإيواء،
لمهاجر نيوز عن رغبته الأكيدة في الاندماج يوما في سوق الشغل في إسبانيا.
وعلى غرار جمال، كل من هؤلاء الشباب له مشروعه الخاص لبناء مستقبله. سعيد يحاول بدوره أن يخوض تدريبا في مجال الحلاقة. أما مامادو فهو من هواة كرة القدم، ويحلم بمستقبل احترافي على الملاعب. إلا أن المدة المخصصة لمرافقة هؤلاء الشباب من قبل الدار لا تتجاوز عمليا ثلاثة أشهر. "مدة غير كافية" بالنسبة للعاملة في الجمعية سارة.
لكن الجمعية لا تترك هؤلاء في منتصف الطريق نحو المستقبل. فهي تسلم المشعل لمنظمات إنسانية يمكن لها مواصلة مصاحبتها لأي منهم، لم تسعفه مدة ثلاثة أشهر في الخروج من دائرة البحث عن الذات. "هو عمل ليس بالسهل، يتطلب الكثير من النفس والصبر"، يلفت محمد المحساني المشرف على الدار.
الأسماء الواردة في المقال مستعارة